للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرابطين والموحدين معاً، بنفس العنف والإصرار، وكانت العوامل الجغرافية والعسكرية، تشد من أزرها، وتضاعف مقدرتها على المقاومة، فقد كانت قواعدها الرئيسية، بعيدة عن متناول الجيوش الموحدية، وكان اتصالها بالبحر يمدها بوسائل وموارد خاصة، وكان وقوعها على مقربة من الممالك النصرانية، يفتح لها باب الاتصال المستمر بالملوك النصارى، ومحالفتهم، والاستنصار بهم، وكانت هذه الوسيلة بالرغم مما يحيط بها من ملابسات ذميمة، تعتبر في تلك الآونة من الخطط المشروعة، في مقاومة الغزاة المحتلين، مرابطين كانوا أو موحدين.

وثمة عامل آخر، في استفحال الثورة وصمودها في شرقي الأندلس، هو انحصار زعامتها، وتركيزها مدى أعوام طويلة، في شخصية واحدة قوية، كانت تجتمع حولها خيوط المقاومة، وكان يحدوها إيمان عميق بالفكرة الأندلسية، تتحطم عليه سائر الاعتبارات الدينية: تلك هي شخصية محمد بن سعد بن مردنيش، أعظم ثوار الأندلس ضد الموحدين، وأشدهم مراساً، وأعنفهم كفاحاً.

- ١ -

وكانت بلنسية تحتل في شرقي الأندلس، نفس المكانة، التي تحتلها قرطبة في الوسط، وإشبيلية في الغرب، باعتبارها قاعدة لسلطان المرابطين، ومركزهم الدفاعي في هذا القطاع من الأندلس. وكان للمرابطين عناية خاصة بتأمين ثغر بلنسية، لموقعه الدقيق على مقربة من الثغر، والممالك النصرانية، يولونه الصفوة من القرابة والخاصة، فكان ضمن ولاتها الأمير مزدلي بن تيولتكان، محررها من الغزاة النصارى، والأمير أبو الطاهر تميم بن يوسف، ومحمد بن يوسف ابن يدِّر، والأمير أبو زكريا يحيى بن غانية. وكان على ولايتها حينما اضطرمت الثورة في غربي الأندلس، وفي قرطبة، أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي أخى يحيى بن غانية، وقاضيها يومئذ أبو عبد الملك مروان بن عبد الله بن مروان ابن عبد العزيز، وكان قد ولاه منصب القضاء الأمير تاشفين بن علي في ذي الحجة سنة ٥٣٨ هـ.

فلما نشبت الثورة في قرطبة، بعد نشوبها في الغرب، ونادى ابن حَمْدين بخلع نير المرابطين، طافت ريح الثورة بقواعد شرقي الأندلس، وهاجت الخواطر في بلنسية وغيرها، واجتمع واليها عبد الله بن محمد بن غانية، وقاضيها

<<  <  ج: ص:  >  >>