أبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز، وتفاهما، بالرغم مما كان بينهما من المنافسة الباطنية، على الائتلاف والتعاون على حفظ النظام وضبط المدينة، واجتمع الناس في المسجد الجامع في أواسط رمضان سنة ٥٣٩ هـ، فخطب فيهم مروان، وذكرهم بجهاد اللمتونيين ضد النصارى، ونصرهم لقضية الأندلس، وتحريرهم لبلنسية من أيدي القشتاليين، وحثهم على التمسك بدعوتهم والوفاء لهم. وتكلم الوالي بمثل ذلك، وذكرهم بأيام عمه يحيى بن غانية، وبما انعقد بينهم وبينه من التعاطف والمودة. بيد أن هذا التفاهم الظاهر بين زعيمي المدينة، لم يكن سوى ستار لما يضطرم في الأنفس الثائرة، وسرعان ما توجس الوالي عبد الله ابن غانية من نيات زميله وحليفه القاضي، ومما قد يجيش به الشعب نحوه ونحو اللمتونيين من المقاصد الخطرة، فبعث أهله وأمواله خفية إلى شاطبة، ثم لحق بهم في صحبه في اليوم التالي، واستطاع، بالرغم مما وقع بينه وبين جند بلنسية من مناوشة، أن يلوذ بالفرار، وأن يصل إلى شاطبة. فلما استقر بها، أخذت سرياته اللمتونية تغير على أحواز بلنسية، وتثخن فيها، وتعتدي على الأموال والأنفس، فتقدم الجند والعرب وأعيان المدينة إلى ابن عبد العزيز، بأن يتولى أمرهم، فأبى، وقال لهم اختاروا لولايتكم من ترون من شيوخكم، فوقع الاختيار على بعض زعماء لمتونة، ممن بقي منهم بالمدينة، وأراد هذا الزعيم الجديد أن يقبض على ابن عبد العزيز، فلم يستطع، ثم تولاه الخوف والروع، ففر إلى شاطبة، ومعه بقية أشياخ لمتونة، ووقع إجماع الناس على اختيار القاضي ابن عبد العزيز للولاية، فاستتر منهم، فسعى إلى الانفراد به، أبو محمد عبد الله ابن عياض قائد الثغر، وعبد الله بن مردنيش، وأقنعاه بقبول الإمارة، فقبلها مكرهاً وبويع له في اليوم الثالث من شوال من نفس السنة، وولي عبد الله بن عياض الثغر وما والاه، واستمر المرابطون خلال ذلك في غاراتهم وعيثهم في أحواز المدينة، فحشد ابن عبد العزيز جنود الثغر وسار إلى شاطبة، فخرج المرابطون من قصبتها إلى المدينة، وعاثوا فيها وسبوا النساء، والتقى جند بلنسية بالمرابطين، ونشبت بين الفريقين موقعة هزم فيها المرابطون، فعادوا إلى الامتناع بالقصبة، وقدم عسكر من مرسية بقيادة قاضيها ابن أبى جعفر محمد بن عبد الله لإنجاد ابن عبد العزيز، وتعاونا على حصار شاطبة، وكلاهما يضمر في نفسه أن يفوز بها، ثم وصل ابن عياض في جند الثغر، وأدرك عبد الله بن محمد بن غانية، الوالي