للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابق، أنه لا طاقة له بهذه القوى، ففر من شاطبة في نفر من خاصته، واستطاع أن يلحق بألمرية، وهنالك لقى محمد بن ميمون قائد الأسطول في تلك المنطقة وكان قد بقى على طاعة المرابطين، فجهزه إلى ميورقة، حيث كان أبوه محمد ابن غانية يتولى أمر الجزائر، فاستقر إلى جانبه، وكان من أمر بني غانية، ودولتهم بالجزائر الشرقية أيام الموحدين، ما سوف نذكره في موضعه (١).

واستولى ابن عبد العزيز على شاطبة صلحاً، وحصنها وعين لها قائداً، وانضمت إليه لَقَنت وما يجاورها، فاتسعت إمارته، وضخم أمره، ثم عاد إلى بلنسية حيث جددت له البيعة، وذلك في شهر صفر سنة ٥٤٠ هـ. وانصرف ابن أبى جعفر إلى مرسية، ثم خرج منها بعد ذلك لإنجاد ابن أضحى في غرناطة، وقتل حسبما تقدم، في المعركة التي نشبت بينه وبين المرابطين.

ولكن ابن عبد العزيز لم يلبث أن آنس متاعب جمة من تمرد الجند، وعجز الجباية، وقصوره عن الوفاء بأجور الجند، وما تتطلبه المصالح العامة، فخاطب الجند ابن عياض، يستعجلونه في الوصول إليهم للاضطلاع بزمام الأمور، وكان عندئذ بمرسية، بعد استيلائه عليها، من واليها السابق أبى عبد الرحمن بن طاهر، وذلك في جمادى الأولى سنة ٥٤٠ هـ (١١٤٥ م). وفي أثناء ذلك، أحاط الجند بقصر الإمارة فشعر ابن عبد العزيز بالخطر، وغادر القصر خفية، وتدلى من سور بلنسية ليلا، وسار حتى لحق بألمرية، وهنالك قبض عليه ابن ميمون أمير البحر، ودفعه إلى عدوه السابق عبد الله بن غانية، وكان ما يزال بألمرية، فاحتمله معه عبد الله مصفداً إلى ميورقة.

وعلى أثر اختفاء ابن عبد العزيز، قدّم الجند للرياسة عبد الله بن محمد بن سعد بن مردنيش صهر ابن عياض نائباً عنه، وأسكنوه قصر بلنسية. وفي آخر جمادى الأولى، قدم ابن عياض إلى المدينة، وقد وصلته بيعة أهلها، وهو في طريقه إليها، فأقام بها حيناً ينظم شئونها ويحصن ثغورها. ثم عاد إلى مرسية، وترك صهره عبد الله بن سعد بن مردنيش أميراً عليها من قبله، وهو عم محمد ابن سعد بن مردنيش زعيم الشرق فيما بعد، ويعرف بصاحب البسيط، لأنه استشهد، في موقعة البسيط مع ابن هود حسبما نذكر بعد (٢).


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢١٢ - ٢١٤، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٥٦.
(٢) الحلة السيراء ص ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>