للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ابن عبد العزيز، فقد لبث يرسف في سجنه بميورقة لدى بني غانية نحو عشرة أعوام، وهو يعاني أمر ضروب العذاب والمهانة، حتى قيض الله له الخلاص في النهاية، بواسطة الوزير أبى جعفر بن عطية، وكان والي ميورقة يومئذ إسحق بن محمد بن غانية، وليها بعد مقتل أبيه محمد وأخيه عبد الله، وجنح إلى مهادنة الموحدين، فأطلق سراحه، وبعث به إلى ثغر بجاية، وذلك في سنة ٥٤٨ هـ فسار إلى مراكش، وهنالك عاونه ابن عطية على أن ينتظم في مجلس الخليفة العلمى، بيد أنه لم يرع لابن عطية، شكر الصنيعة، ونظم في حقه أبياته المشهورة في التحريض عليه، ومطلعها:

قل للإمام أطال الله مدته ... قولا تبين لذي لب حقائقه

فكانت هذه الأبيات حسبما نذكر بعد، من أقوى الأسباب في نكبة ابن عطية، وظل ابن عبد العزيز مقيماً بمراكش في خمول ونسيان حتى توفي سنة ٥٧٨ هـ (١١٨٢ م) في الثالثة والسبعين من عمره (١).

- ٢ -

ونود قبل أن نمضي في تتبع مصاير الثورة في بلنسية وتطوراتها، أن نتناول ما وقع من الأحداث في مرسية، وباقي أعمال الشرق.

ْكانت مرسية ثاني قواعد الشرق بعد بلنسية، وكانت تحتل في النصف الجنوبي من شرقي الأندلس، نفس المركز الدفاعي، الذي تحتله بلنسية في النصف الشمالي، ومن ثم فإنا نجد في فترات الثورة، واضطراب الأحداث السياسية والعسكرية، دائماً صلة وثيقة بين ما يقع في هاتين القاعدتين من أحداث وتطورات، وقد كان هذا شأنهما أيام الطوائف، ثم كان شأنهما حينما اجتاحت ريح الثورة ضد المرابطين سائر قواعد الأندلس في الغرب والشرق معاً.

وقد رأينا كيف نشبت الثورة في بلنسية في الوقت الذي اضطرمت فيه بقرطبة، وقام القاضي ابن حمدين بدعوته، ففي هذه الآونة بالذات تضطرم الثورة أيضاً في مرسية، ويختار أهلها لرياستهم زعيماً منهم، يدعى أبو محمد بن الحاج اللورقي، ودعا اللورقي لابن حمدين، ولكنه لم يلبث في رياسته سوى بضعة أسابيع، خلال شهري رمضان وشوال سنة ٥٣٩ هـ، ثم رغب في التخلي عن منصبه لما آنسه من صعاب ومتاعب لا قبل له بها. وكان سيف الدولة بن هود، قد غادر عندئذ


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢١٥ و ٢١٦، وكذلك في التكملة (القاهرة) رقم ١٧٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>