مقره على مقربة من طليطلة، وأخذ يترقب فرص الحوادث هنا وهنالك. فلما نمى إليه ما وقع في مرسية، بعث إليها قائداً من قواده يدعى بعبد الله بن فتوح الثغري، فأخرج منها ابن الحاج ودعا لابن هود، ولكنه لم يلبث أن أخرج منها بدوره، وقدم الفقيه القاضي أبو جعفر محمد بن عبد الله بن أبى جعفر الخشني، وذلك في آخر شوال من السنة المذكورة، فلبث في منصبه حتى أوائل سنة ٥٤٠ هـ (١١٤٥ م)، وكان يتبرم بالإمارة ويقول: إنها " ليست تصلح لي، ولست بأهل لها، ولكني أريد أن أمسك الناس بعضهم عن بعض حتى يجىء من يكون لها أهلا ". ولما سار القاضي مروان بن عبد العزيز أمير بلنسية إلى شاطبة لمقاتلة من امتنع بها من اللمتونيين، سار الفقيه ابن أبى جعفر في بعض قواته لمعاونته "، ثم سار من مرسية في قواته مرة أخرى لمعاونة القاضي ابن أضحى زعيم الثورة في غرناطة على قتال الملثمين ويقال إن قوات أبى جعفر، بلغت في هذه الحملة اثنى عشر ألفاً من خيل ورجل، فخرج الملثمون إلى لقائه في جموع كثيفة، ونشبت بين الفريقين في ظاهر غرناطة، موقعة عنيفة، هزم فيها ابن أبى جعفر وقتل، وذلك حسبما فصلنا من قبل في أخبار الثورة في غرناطة. ونقل إلينا ابن الأبار عن ابن صاحب الصلاة رواية أخرى، خلاصتها، أن عبد الله الثغري كان قائداً بمدينة كونكة، فلما سمع بقيام ابن حمدين بقرطبة، سار إليه والتحق بخدمته، وفي خلال ذلك جاءت الأنباء من مرسية بقيام ابن الحاج ثم تبرمه من الرياسة، فبعث ابن حمدين إليهم الثغري والياً، فقدّم الفقيه ابن أبى جعفر قاضياً، وذلك في منتصف شهر شوال سنة ٥٣٩ هـ، فأبدى شغفاً شديداً بالظهور والتعلق بالرياسة، وحشد الناس لقتال المرابطين في أوريولة، وغدر بهم عند نزولهم بالأمان، وقتلهم، فذاع صيته. ثم داخل أهل مرسية في أن يؤمروه، وأن يُقدم للقضاء أبو العباس ابن الخلال، ولقيادة الخيل عبد الله الثغري، فوافقوه على ذلك. ولما عقدت له البيعة، نبذ طاعة ابن حمدين، ودعا لنفسه وتلقب بالأمير الناصر لدين الله، ثم قبض على الثغري وعلى صهريه، ابني مسلوقة، وعين لقيادة الخيل زعنون أحد وجوه الجند، ثم سار إلى شاطبة لنصرة ابن عبد العزيز في مقاتلة المرابطين بها، فثارت العامة خلال غيبته بمرسية، وأطلقوا سراح الثغري وصهريه. فسار إلى مرسية على عجل، وأخمد الهياج، وفر الثغري إلى كونكة. وعاد ابن أبى جعفر إلى متابعة القتال في شاطبة. ثم عاد بعد هزيمة الملثمين، وفرار أميرهم عبد الله بن غانية إلى