للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرسية، وذلك في صفر سنة ٥٤٠ هـ. ثم غادرها مرة أخرى في قواته إلى غرناطة لإنجاد ابن أضحى وقتل حسبما تقدم في الموقعة التي نشبت بينه وبين المرابطين (١).

ولما عادت فلول عسكر مرسية بعد مقتل أميرها، أجمع أهل مرسية على تقديم أبى عبد الرحمن بن طاهر للرياسة، وذلك في أواخر شهر ربيع الأول سنة ٥٤٠ هـ، فانتقل إلى القصر، ودعا لابن هود ثم لنفسه. وأبو عبد الرحمن هذا، هو محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن طاهر القيسي، سليل بني طاهر أمراء مرسية أيام الطوائف. وقد سبق أن تحدثنا في أخبار مملكة مرسية عن أصلهم وعراقة بيتهم، في الوجاهة والسراوة والعلم. وكان جده أبو عبد الرحمن بن طاهر أمير مرسية، من أعظم علماء عصر الطوائف وكتابه، وقد أشاد بذكره وروعة أدبه ابن بسام صاحب الذخيرة (٢)، وكان هو أي أبو عبد الرحمن بن طاهر الحفيد، صنو جده في العلم والأدب والبراعة في الترسل.

تولى أبو عبد الرحمن بن طاهر الإمارة، وقدم أخاه أبا بكر على الخيل. وكان ابن حمدين حينما اضطربت الأحوال في مرسية، قد وجه إليها قوة وبقيادة ابن عمه المعروف بالقلفلي، ومعه أبو محمد بن الحاج وغيره من أعيان مرسية اللاجئين إلى قرطبة، فردت هذه القوة كسابقتها. وهكذا بدأ ابن طاهر إمارته، في جو مكفهر، والدسائس تضطرم من حوله. ولم تمض أيام قلائل على رياسته، حتى خاطب بعض أهل مرسية، أبا محمد عبد الرحمن بن عِياض قائد جند الثغر في بلنسية في القدوم إليهم وتقلد الرياسة، فبادر بالسير إلى مرسية، وتلقاه في طريقه والى أوريولة، وهو القائد زعنون الذي تقدم ذكره، وسلمه إياها، ثم سار إلى مرسية، ومعه عدة من وجوه أهل مرسية، الذين خرجوا إلى لقائه والسير في ركابه، كل ذلك وابن طاهر يعمل هادئاً في قصره، ولا يدرى بما يدور حوله من الأحداث. ثم دخل ابن عياض مرسية، وقد برز الناس إلى لقائه، وابن طاهر، مستمر على سكوته وعلى حسن ظنه، ودخل ابن عياض القصر، لا يدفعه عند أحد، فلم يشعر ابن طاهر، إلا وقد نُزع من رياسته، فانتقل إلى داره، وعف ابن عياض عن دمه، توقيراً له، وإشفاقاً لضعفه. وتم هذا الإنقلاب في العاشر من جمادى الأولى سنة ٥٤٠ هـ (أكتوبر سنة ١١٤٥ م).


(١) الحلة السيراء ص ٢١٨.
(٢) راجع كتابي " دول الطوائف " ص ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>