ولم تمض أيام قلائل على ذلك حتى طورت الحوادث في بلنسية، وخلع مروان ابن عبد العزيز من الإمارة، واستدعى الجند ابن عياض لتولي الرياسة مكانه، فسار ابن عياض إلى بلنسية في آخر سهر جمادى، وقد فر عنها ابن عبد العزيز مخلوعاً، وبويع بالإمارة، ودعا لابن هود، وأقام بها حيناً ينظم شئونها، ثم غادرها إلى مرسية، بعد أن أقر عليها صهره عبد الله بن سعد بن مردنيش عنه في رياستها حسبما تقدم من قبل.
أما ابن طاهر، فإنه لزم داره، وعاش في عزلة وهو يشهد تطور الحوادث في مرسية، وفي شرقي الأندلس، في ظل زعيمه وأميره فيما بعد محمد بن سعد ابن مردنيش، ويشهد صراعه المرير مع الموحدين، وهو يزداد، توجساً وحذراً، كلما تطورت الحوادث، وكلما تقدمت به السن، إلى أن توفي ابن مردنيش في سنة ٥٦٧ هـ، فعندئذ دخل في طاعة الموحدين، وعبر البحر إلى المغرب، وتوفي بمراكش في سنة ٥٧٤ هـ (١).
وقد أشرنا فيما تقدم، إلى ما كان من مقدم سيف الدولة بن هود إلى قرطبة، بدعوة أهلها، ثم تحولهم إلى خصومته، وقتلهم وزيره ابن الشماخ وطائفة من أصحابه، ومغادرته عندئذ قرطبة إلى جيان، وكان قد ثار بها قاضيها ابن جزى واستقل بحكمها، فتغلب عليه وانتزعها منه. ثم سار إلى غرناطة بدعوة أهلها، وخاض هناك بعض الوقائع إلى جانب القاضي ابن أضحى، ولكنه لم يوفق إلى الاستقرار بها، فغادرها في أواخر سنة ٥٣٩ هـ عائداً إلى جيان. وسرعان ما ألفى في حوادث مرسية فرصة جديدة للتدخل والمغامرة، فبعث إليها أولا قائده عبد الله الثغري، فتغلب عليها، ولكنه أخرج منها بعد أيام قلائل، ثم توالت الحوادث على النحو الذي فصلناه من قبل، واستولى ابن عياض قائد جنود الثغر على مرسية، ثم على بلنسية، ودعا لابن هود في كلتا الحاضرتين. فبعث إليه ابن هود بولده أبى بكر، فخرج للقائه واحتفي به، واصطحبه معه إلى بلنسية، ثم سار ابن هود نفسه إلى مرسية، ودخلها ونزل بقصرها، فعجل ابن عياض في اللحاق به، وأعلن طاعته، والامتثال لأوامره، ونزل بالقصر الصغير، فعهد إليه ابن هود بالأمور كلها، وأسبغ عليه لقب الرئيس مكتفياً بلقب الإمارة ومظاهرها، وكان ذلك في أواخر رجب سنة ٥٤٠ هـ (أوائل سنة ١١٤٦ م).