للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابن عِياض جندياً عظيماً، وفارساً ذا نجدة، ورئيساً وافر العزم، وكان فوق ذلك رجلا صالحاً ورعاً، رقيق الحس والعاطفة، وكان النصارى يقدرون فروسيته وشدة مراسه، ويعدونه وحده بمائة فارس (١). وكان يقظاً لحركات النصارى في شرقي الأندلس، فلم تمض أيام قلائل، على مقدم ابن هود، حتى جاءت الأنباء باعتداء النصارى على أحواز شاطبة، ومبادرة عبد الله ابن سعد بعسكر بلنسية لقتالهم. فأسرع ابن عياض وابن هود في قواتهما لنجدته.

والتقى المسلمون والنصارى في موضع يسمى " باللج " في ظاهر بلدة البسيط (٢) على مقربة من جنجالة، في يوم الجمعة العشرين من شهر شعبان سنة ٥٤٠ هـ (فبراير سنة ١١٤٦ م) فوقعت الهزيمة على المسلمين، وقتل في الموقعة عبد الله ابن سعد بن مردنيش، وسيف الدولة ابن هود، ونجا ابن عياض. وكانت ضربة شديدة للمسلمين في شرقي الأندلس (٣).

هكذا تصور لنا الرواية الإسلامية موقعة البسيط. بيد أنه يوجد ثمة شىء من الغموض في تلك الرواية الموجزة. ذلك أننا نعرف أن سيف الدولة بن هود، هو حليف النصارى، وصنيعة عاهلهم القيصر ألفونسو السابع أو ألفونسو ريمونديس وهم الذين دفعوه إلى خوض غمار الحوادث في الأندلس، وأمدوه بعونهم، فكيف انقلب إلى محاربتهم بين عشية وضحاها؟ والجواب على ذلك نجده في الرواية النصرانية المعاصرة، وهي المسماة " رواية ألفونسو السابع " فهي تقول لنا إن سيف الدولة، بعد أن فشلت محاولته في قرطبة بعث إلى ألفونسو السابع ملك قشتالة، يخبره بأن أراضي أبدة، وبياسة وقلاعها، وهي من أملاكه التي تغلب عليها، قد ثارت عليه ورفضت أداء الضرائب المطلوبة، فندب ألفونسو أربعة من الأشراف القشتاليين هم الكونتات مانريكي، وأرمنجود، وبانسيو، ومارتن فرنانديث، وأمرهم بأن يقوموا بإخضاع أراضي أبدة، وبياسة، وجيان وغيرها، لطاعته وطاعة سيف الدولة، فسار الكونتات في قواتهم، وأغاروا على تلك الجهات وأثخنوا فيها، وافتتحوا جيان وأبدة وبياسة، ونكلوا بسكانها المسلمين، وعندئذ استغاث المسلمون بسيف الدولة، وأعلنوا بطاعته، فاستجاب لدعوتهم، وسار


(١) المراكشي في المعجب ص ١١٥.
(٢) وهي بالإسبانية Albacete
(٣) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>