إليهم في جيش ضخم، وطلب إلى الكونتات النصارى أن يرفعوا أيديهم عن المسلمين، وأن يكفوا عن غزواتهم المخربة التي قاموا بها في الأراضي الإسلامية، بالتحالف مع القاضي الطموح عبد الله الطغرائي والي قونقة، فيما بين شاطبة وأبدة، وأخيراً أن يسلموا إليه الغنائم والأسرى. فرفض الكونتات مطالب سيف الدولة، وأجابوا بأنهم لم يفعلوا إلا ما أمر به عاهلهم، وما طلبه سيف الدولة ذاته.
وطال الجدل بين الفريقين، وعندئذ قرر سيف الدولة أن يلجأ إلى السيف، وسار الكونتات النصارى وحليفهم القاضي الطغرائي، بعد أن امتنعت عليهم شاطبة غرباً، وسارت قوات بلنسية ومرسية وسيف الدولة لقتالهم في نفس الوقت. والتقى المسلمون والنصارى في سهل البسيط على مقربة من جنجالة، فهزم المسلمون شر هزيمة، وقتل عبد الله بن سعد قائد جند بلنسية وأسر سيف الدولة، وقتله بعض الجند النصارى دون معرفة لشخصه، وارتد ابن عياض في فلول الجيش إلى بلنسية. ولما علم ألفونسو السابع بمصرع صديقه القديم سيف الدولة أسف كل الأسف وأعلن أنه برىء من دمه (١).
وكان أحمد بن يوسف بن هود، المتلقب بسيف الدولة، وبالمستنصر، شخصية غامضة. وبالرغم من أنه كان سليل أسرة بني هود أصحاب الثغر الأعلى، وحماته والمتفانين في الذود عنه ضد النصارى، فإنه لم يكن يتمتع بشىء من خلال أسرته الملوكية العريقة. وقد رأينا كيف تخلى عن روطة، آخر قواعد مملكة سرقسطة القديمة، لملك قشتالة، ألفونسو ريمونديس، وآثر أن يعيش في أراضيه وتحت كنفه، وأن يغدو آلة لخططه ودسائسه ضد المسلمين، يحقق بها إذا استطاع بعض مآربه في الضرب والتفريق بين أبناء الأمة الأندلسية، واقتطاع ما يمكن اقتطاعه من أراضيها. ولم يكن اشتراك سيف الدولة في حوادث الثورة ضد المرابطين، وتدخله في شئون الرياسة بالقواعد الثائرة، مثل قرطبة وغرناطة وجيان ومرسية، محاولة اختيارية يشق بها طريقه إلى الرياسة، ولكنه كان يقوم بها بوحي ملك قشتالة، ومعاونته الفعلية بالمال والجند، لانتهاز الفرص السانحة، خلال هذا الاضطراب العام، الذي كان يسود الأمة الأندلسية، ولم تكن دعوات
(١) M. Gaspar Remiro, cit. Cronica del Emperador Alfonso (Murcia Musulmana) p. ١٨٠ & ١٨١. وراجع أيضاً تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين لأشباخ (وترجمة محمد عبد الله عنان) الطبعة الثانية ص ٢١٦.