الزعماء الثائرين له ليقدم عليهم، أو ليستظلوا بصفته الملوكية السابقة، إلا سراباً وخديعة لمواطنيهم، بتنصيب شخصية لا تخلص لقضيتهم. ولقد كان من رحمة القدر بذكرى هذا الأمير المنكود - صنيعة القشتاليين وخديمهم - أن قتل في غمرة الدفاع عن أمته ودينه، ضد حلفائه القدماء، في ظروف طارئة، لم تكن من تدبيره، وإنما استدرج إليها فكانت فيها خاتمته.
بيد أن سيف الدولة كان يتمتع بخلة العلم والتأدب شيمة آبائه وأجداده، وكان شاعراً ينظم الشعر الجيد، وقد أورد لنا ابن الأبار شيئاً من نظمه فمن ذلك قوله:
يا باكياً عمر الطلول بدمعه ... أسفاً على ذاك الدم المطلول
أودت بلبك لوعة صديت لها ... صفحات ذاك الخاطر المصقول
وقوله من قصيدة طويلة:
خطرت خطرة الغرام على القـ ... ـلب وحسب الفتى لها يستكين
أذكرتني بلجاء وُرْقٌ تجـ ... ـاوبن بنجد حديثهن شجون
أطربتني أصواتهن على الأيـ ... ـكة قد يطرب الحزين الحزين
يامَةَ القوم والمنا يضع المر ... ء إذا ما استقل يوماً قطين
إن تكوني قد استقر بك الربـ ... ـع فقلبي مع الرفاق رهين
أو تكوني سلوت عنا فلا واللـ ... ـه تسْلُك الظباء العين
أين للشمس أن تنال محيا ... ك وتعزي لمعطفيك الغصون
غرر لحن من دجى الشعر بيض ... ما تجلت عن مثلهن الدجون (١).
* * *
وعلى أثر مقتل ابن هود، أعلن ابن عياض الدعوة لنفسه ببلنسية، وكان قد ترك في مرسية محمد بن سعد بن مردنيش نائباً عنه بها، وكان قد عهد في نفس الوقت إلى عبد الله الثغري الذي شهدناه من قبل، يشترك في حوادث مرسية باسم ابن هود، بأن يكون سفيره لدى الإمبراطور ألفونسو ريمونديس ليعقد معه السلم والتحالف ضد أمير برشلونة، فعاد من سفارته هذه، وزعم أن الإمبراطور قد منحه إمارة مرسية، واستعان على دخولها بطائفة من الخوارج
(١) راجع الحلة السيراء ص ٢٢٦ و ٢٢٧.