المشايعين له، فنجح في محاولته، وفر محمد بن سعد بن مردنيش نائب ابن عياض بمرسية، ولحق بثغر لقنت، وذلك في أوائل شهر ذي الحجة سنة ٥٤٠ هـ، (مايو سنة ١١٤٦ م). ولم تمض بضعة أشهر على ذلك، حتى زحف ابن عياض على مرسية لاستخلاصها من الثغري، وقتل الثغري في العركة التي نشبت بينهما، وذلك في السابع من رجب سنة ٥٤١ هـ (ديسمبر ١١٤٦ م). ويقدم إلينا الضبي تفاصيل مصرع الثغري، فيقول إنه لما نجح ابن عياض في دخول مرسية، وقع القتال بينه وبين ابن عياض في شوارع المدينة حتى هزم الثغري، وركن إلى الفرار، وخرج من الباب المسمى باب الفارقة، فألقى عليه من فوق السور حجر أصاب رأس جواده، فوثب الجواد جامحاً براكبه نحو مجرى النهر، وهنالك قتله رجل ممن كانوا يرابطون في هذا المكان.
وهكذا استعاد ابن عياض إمارته على مرسية، وأضحى يبسط سلطانه على سائر قواعد الشرق من بلنسية شمالا حتى أحواز قرطاجنة، جنوباً. واستمر في إمارته على تلك المنطقة بلا منازع مدى عام وتسعة أشهر وعشرين يوماً، إلى أن لقي مصرعه في اليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ٥٤٢ هـ (٢١ أغسطس ١١٤٧ م). ويقول لنا ابن الأبار. إنه توفي قتيلا من جراء سهم أصابه في بعض حروبه مع القشتاليين (١). ويقول الضبي إنه قتل بالعكس خلال معركة نشبت بينه وبين بني جميل على مقربة من بلِّش وحمل جثمانه إلى بلنسية ودفن بها. وقام على مواراته صهره ونائبه في بلنسية محمد بن سعد بن مردنيش، وأعلن للناس أن ابن عياض قد أولاه عهده بالإمارة من بعده، فبايعوه على ذلك. ويقول المراكشي إن ابن عياض حين حضرته الوفاة، أشار إلى من اجتمع إليه من الأعيان والجند بتقديم محمد بن سعد للرياسة، وأبى أن يوصى برياسة ولده لأنه كان يشرب الخمر ويغفل الصلاة. وقيل أيضاً إن أهل بلنسية بايعوا ابن سعد، ونصبوه أميراً عليهم دون عهد سابق. وأما في مرسية فقد اختار أهلها للإمارة عليهم نائب ابن عياض أبا الحسن علي بن عبيد، ولكنه لم يمكث في الإمارة سوى فترة يسيرة حتى أواخر جمادى الأولى، ثم تخلى عنها لابن سعد أمير بلنسية. وهكذا نجح محمد بن سعد بن مردنيش في اجتناء تراث ابن عياض بأكمله، وخلفه في إمارة شرق الأندلس كله، وكان ذلك في جمادى الأولى سنة ٥٤٢ هـ (أكتوبر ١١٤٧ م)
(١) المراكشي في المعجب ص " ١١٥ "، وابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٢٠.