للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقيام ابن مردنيش، في إمارة شرقي الأندلس، تتهيأ الظروف لصفحة جديدة من الصراع بين الأندلس الثائرة وبين الموحدين، وهو صراع عنيف يضطرم زهاء عشرين عاماً، وتخوضه منطقة الشرق كلها، بسائر مواردها وقواتها، تحت زعامة قوية موحدة، ويقتضي لمدافعته معظم جهود الموحدين في شبه الجزيرة، ثم لا تهدأ ثائرته وتطوى صفحته، إلا باختفاء مثير ضرامه من الميدان.

- ٣ -

إن ابن مردنيش، الذي حمل لواء هذا الصراع الشهير ضد الموحدين، ولبث طيلة اضطرامه صامداً، كالصخرة الصلدة، لا تفتر له همة، ولا يهادن، ولا تلين قنانه، حتى طواه الموت، هو شخصية من أغرب شخصيات التاريخ الأندلسي، تمثل كل خلال العصر، ورذائله في نفس الوقت، ولو لم يبالغ ابن مردنيش في مداخلة النصارى، وربط قضيته بعونهم، لكان في وسعنا أن نعتبره بطل الوطنية الأندلسية، وحامل لوائها ضد الموحدين.

وهو أبو عبد الله محمد بن سعد بن محمد بن سعد الجذامي بن مرْدنَيش.

أصله من الثغر الأعلى، وولد في قلعة من قلاع طرطوشة المنيعة تسمى بُنُشْكُلَة، Peniscola (١) وذلك في سنة ٥١٨ هـ (٢) وإذن فقد كان حينما تولى إمارة شرقي الأندلس، فتى في نحو الرابعة والعشرين من عمره. وقد كان أبوه سعد بن محمد ابن مردنيش والياً لإفراغة أيام المرابطين، حينما حاصرها ألفونسو المحارب ملك أراجون في أواخر سنة ٥٢٧ هـ (يونيه سنة ١١٣٣ م)، وأبدى في مدافعة النصارى بسالة رائعة، واضطر المحاصرين أن يرفعوا الحصار غير مرة، إلى أن وفدت الأمداد المرابطية، ومعها الأمير يحيى بن غانية، وكان ما كان من انتصار المسلمين الباهر على النصارى وذلك حسبما فصلناه من قبل في موضعه، وعمه عبد الله بن محمد بن سعد بن مردنيش صهر ابن عياض، ونائبه في بلنسية، وهو الذي سبقت الإشارة إليه فيما تقدم غير مرة.

وقد لفت محمد بن سعد أنظار الباحثين باسمه ولقبه، وصفاته الغريبة الفذة، وتساءل بعضهم عن حقيقة أصله ونسبه، فهو وفقاً لاسمه المدون جذامى، أو


(١) ومكانها اليوم قصر Peniscola الصغير الواقع جنوبي طرطوشة.
(٢) ابن خلكان في وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٩٢، في ترجمة أبى يوسف يعقوب المنصور.
وهو يضبط " مردنيش " وفقاً للشكل الموضوع عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>