للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسترده من أيديهم، ثم عاد إلى بلنسية فتلقى بها البيعة (١). ولما سار إلى مرسية ليستخلصها من يد نائبها ابن عبيد، بعث قائده ابن همشك إلى مدينة شقورة، وقد كان يعتبرها من متعلقات بلنسية، لينتزعها من صاحبها ابن سوار، فاستولى ابن همشك عليها (٢)، ثم عاد إلى مرسية لمعاونة ابن مردنيش على السيطرة على مرسية وتلقى بيعتها.

فلما تم له الأمر غادرها إلى بلنسية، وترك ابن همشك نائباً عليها. وكان ابن مردنيش، قد عين أخاه أبا الحجاج يوسف بن سعد، منذ البداية نائباً له ببلنسية.

ولسنا نعلم الكثير عن أعمال ابن مردنيش في الأعوام الأولى لولايته. وأول ْما تحدثنا عنه الرواية من ذلك هو استيلاؤه في سنة ٥٤٦ هـ (١١٥١ م) على مدينتي بسطة ووادي آش. وقد سبق أن ذكرنا ما كان من قيام ابن ملحان الطائي بوادي آش، وتغلبه عليها وعلى بسطة. وكان الموحدون قد عبروا إلى شبه الجزيرة قبل ذلك ببضعة أعوام، واستولوا على إشبيلية، في شهر شعبان سنة ٥٤١، وذلك بعد أن استولوا على شَريش، وقواعد الغرب، التي كانت أولى القواعد الثائرة ضد المرابطين، ثم استولوا على قرطبة سنة ٥٤٣ هـ، ثم على جيان وبياسة وأبدة.

وهكذا وصلت طلائع الموحدين إلى أواسط الأندلس، وأضحت تشرف من ناحية الشرق على أملاك ابن مردنيش. والظاهر أن ابن مردنيش كان يستعين في حملته ضد بسطة ووادي آش بجنود من القشتاليين أرسلها ألفونسو السابع لمعاونته (٣).

ولما رأى ابن ملحان أنه لا طاقة له بمقاومة الغزاة أعلن طاعته للموحدين، ثم غادر وادي آش في أهله وأمواله، وعبر البحر إلى المغرب حسبما ذكرنا من قبل في موضعه. وأضحى ابن مردنيش باستيلائه على بسطة ووادي آش يواجه القواعد الموحدية في جيان وبياسة وأبدة من الجنوب كما يواجهها من الشرق، وهكذا أخذت تجتمع عناصر ذلك الصراع المضطرم الذي لبث ابن مردنيش، ومن ورائه قوى الأندلس الشرقية كلها، يضطلع به ضد الموحدين أعواماً طوالا، والذي كان يمثل في كثير من نواحيه ثورة الأندلس القومية ضد غزاتها من رواء البحر، أعني المرابطين والموحدين.


(١) الإحاطة ج ٢ ص ٨٥.
(٢) M. Gaspar Remiro: Murcia Musulmana p. ١٨٨. وقد سبق أن أشرنا إلى رواية ابن الخطيب في تغلب ابن همشك على شقورة قبل اتصاله بابن مردنيش.
(٣) F. Codera: ibid ; p. ١٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>