وأما الحادث الثاني فقد وقع في نفس الوقت، الذي ظفر فيه ابن مردنيش بولاية بلنسية ومرسية، وهو استيلاء النصارى على ثغر ألمرية. وكانت ألمرية في الواقع شجى في عيون الدول النصرانية القريبة مثل قطلونية وجنوة وبيزة، بما كانت تقوم به الحملات البحرية الخارجة منها في شواطىء هذه الدول من ضروب العيث والتخريب. ففي غمرة الإضطراب العام، الذي شمل الأندلس عقب انهيار سلطان المرابطين، رأت الدول النصرانية، وعلى رأسها البابا، أن تقوم بانتزاع هذا الثغر الغني الحصين من أيدي المسلمين، وبادر ألفونسو السابع ملك قشتالة بانتهاز الفرصة السانحة، ونظمت حملة برية وبحرية مشتركة من قوات قشتالة، وقطلونية، ونافار، وجنوة، وبيزة، وبعض حشود فرنسية من وراء البرنيه، وسارت هذه الحملة الصليبية المشتركة إلى ألمرية، وحاصرتها من البر والبحر بقوات كثيفة، واستمر الحصار ثلاثة أشهر، حتى نضبت موارد المدينة، واضطر المسلمون في النهاية إلى تسليمها للنصارى، وذلك في العشرين من جمادى الأولى سنة ٥٤٢ هـ (١٧ أكتوبر سنة ١١٤٧ م)(١). وقد كان سقوط هذا الثغر الأندلسي الهام في أيدي النصارى حادثاً جللا، بيد أن أصداءه المحزنة قد تبددت خلال المحنة العامة التي كانت تعانيها الأندلس يومئذ، من تفرق كلمتها وتبدد قواها ومواردها، وكان استرداده من أهم ما عنى به الموحدون، مذ ثبتت أقدامهم في شبه الجزيرة.
وكان ألفونسو السابع ملك قشتالة قد استولى في نفس الوقت على معقل من أهم معاقل الأندلس الوسطى، وهو قلعة رباح، وذلك في أواخر سنة ٥٤١ هـ (١١٤٧ م)، وذلك قبل استيلائه على ثغر ألمرية بأشهر قلائل. وقد أحدث القشتاليون باستيلائهم على هذا المعقل المنيع ثغرة خطيرة في خطوط الدفاع الأندلسية، وسنرى فيما بعد أي دور خطير تلعبه هذه القلعة الشهيرة في حوادث الصراع بين الموحدين والنصارى.
في ذلك الحين كان ابن مَرْدَنيش يعمل على توطيد سلطانه، وقد كان حريصاً على ألا ينتقص من أطرافه معتد خارجي أو داخلي، حتى لقد بلغه خلال سيره إلى بلنسية ليتولى سلطانه بها، أن النصارى هاجموا حصن " حلال " فكر إليه،
(١) ابن الأثير ج ١١ ص ٤٦، وروض القرطاس ص ١٧٦. وراجع: Lafuente: Hist General de Espana T. III. p. ٢٩٤