الحصار حول طرطوشة من البر والبحر، ودافع المسلمون عن المدينة بمنتهى البسالة، وصمدوا للحصار أربعين يوماً، مؤملين أن ترد إليهم أمداد من بلنسية أو غيرها، فلما يئسوا من كل عون، اضطروا إلى تسليم المدينة صلحاً في آخر. سنة ١١٤٨ م (١٦ شعبان سنة ٥٤٣ هـ). مشترطين الاحتفاظ بأملاكهم ومساجدهم. بيد أنهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بمساجدهم أكثر من ثلاثين أو أربعين عاماً، وهاجمت القوات النصرانية المتحالفة وعلى رأسها الكونت رامون برنجير مدينة لاردة بعد ذلك بقليل وكان طبيعياً ألا تصمد طويلا بعد سقوط طرطوشة، فسقطت في أيدي المهاجمين وذلك في ٢٤ أكتوبر سنة ١١٤٩ م (٥٤٤ هـ) وعبر واليها المرابطي ابن هلال البحر ملتجئاً إلى أمير ميورقة محمد بن غانية، وسقطت معها في نفس الوقت، بل وفي نفس اليوم حسبما تروى التواريخ القطلانية، مدينتا إفراغة ومكناسة، ويقول لنا ابن الخطيب إن القشتاليين استولوا في نفس الوقت على حصن أقليش وحصن سرانية (سنة ٥٤٣ هـ)(١).
سقطت هذه القواعد الإسلامية الشمالية الأخيرة في أيدي النصارى، وانتهت بذلك سيادة المسلمين في الثغر الأعلى. وقد كانت هذه القواعد، تابعة من قبل لمملكة سرقسطة، فلما سقطت سرقسطة في أيدي الأرجونيين، أصبحت تابعة لولاية بلنسية، كما كانت منذ بداية العهد المرابطي، وإذن فقد كانت هذه القواعد خاضعة لسيادة ابن مردنيش، من الناحية الإسمية على الأقل. بيد أن ابن مردنيش لم يكن في وسعه أن يحميها أو أن ينجدها، وكان ارتباطه برباط الصداقة والمهادنة مع الكونت برنجير أمير برشلونة، يحول دون أية محاولة لإنقاذها، تفسد علائقه مع الممالك النصرانية، ومن جهة أخرى فقد كان الدفاع عن هذه القواعد النائية الواقعة في قلب الأراضي النصرانية عملا غير ميسور. ومن ثم فإن ابن مردنيش لم يحرك ساكناً، إزاء هذا الحدث المؤلم، وإن كان قد لبث يعتبر نفسه حامياً للرعايا المسلمين، في تلك القواعد المنزوعة، يدل على ذلك أنه حينما عقد معاهدة الصداقة مع جمهورية جنوة، قد اشترط فيها أن تتعهد جنوة بألا توقع أية أضرار برعايا الملك لوبو في طرطوشة وألمرية، وقد كانت جنوة ضمن البلاد التي اشتركت في افتتاح طرطوشة.
(١) ابن الأثير ج ١١ ص ٥٢. وراجع روض القرطاس ص ١٧٦، والإحاطة ج ٢ ص ٨٩. وراجع أيضاً: Codera: ibid ; p. ١٢٤-١٢٦