للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تغلب بعد ذلك على مدينة شقورة (١) الواقعة على مقربة من شمال شرقي أبدة، فقوى أمره، وفي رواية أخرى أنه تغلب على شقورة فيما بعد حينما ندبه لذلك ابن مَرْدَنيش، ولما آلت بلنسية ومرسية إلى محمد بن سعد اتصل به، وعقد معه ابن سعد صهراً على ابنته، فتوثقت بينهما العلائق، وغدا ابن همشك من أعظم أعوان ابن سعد وقادته، وكان ابن همشك في الواقع من أقدر قواد العصر، وأوفرهم جرأة وشجاعة وإقداماً، وقد خاض ضد الموحدين فيما بعد، عدة من الحروب والوقائع الهامة (٢).

- ٤ -

ليست لدينا تفاصيل شافية عن حوادث شرقي الأندلس في الأعوام الأولى لحكم ابن مردنيش، بيد أنه وقع عقب تولى ابن مردنيش حكم بلنسية ومرسية بقليل، حادثان خطيران، الأول في شمال شرقي الأندلس، والثاني في جنوبي شرقها.

أما الحادث الأول، فهو استيلاء النصارى على ما بقي بأيدي المسلمين من قواعد الثغر الأعلى. ونحن نعرف أن النصارى، منذ استولوا على سرقسطة في سنة ٥١٢ هـ (١١١٨ م) لبثوا يتربصون الفرص لانتزاع القواعد القليلة الباقية في هذا الركن النائي من الأندلس. وقد صدتهم هزيمة إفراغة المروعة (٥٢٨ هـ) عن مشاريعهم حيناً. فلما انفجر بركان الثورة في الأندلس ضد المرابطين، وشغلت الحاميات المرابطية في كل قاعدة، بالذود عن نفسها، وشغل الزعماء الثائرون كل بتوطيد سلطانه، شعر النصارى في الثغر الأعلى، بأن الفرصة قد سنحت لتحقيق مشروعهم. وكانت القواعد الباقية، داخل الثغر الأعلى تنحصر في لاردة وإفراغة ومكننسة (مكناسة) ثم في ثغر طرطوشة الواقع عند مصب نهر إيبرو (إبرة)، وكانت جميعها تقع على حدود إمارة برشلونة. وكانت طرطوشة أولى القواعد التي سقطت عندئذ في أيدي النصارى. وكانت قد غدت في أواخر عهدها الإسلامي مثوى للمجاهدين والمغامرين من رواد الحملات البحرية، التي تثخن في شواطىء الأمم النصرانية المجاورة، فدعا البابا أوجين الثالث إلى حملة صليبية لفتحها، واجتمعت قوات النصارى من الأرجونيين والقطلان والبيزيين والجنويين وفرسان المعبد بقيادة الكونت رامون برنجير أمير برشلونة، وضربت


(١) وهي بالإسبانية Segura de Sierra
(٢) ابن الخطيب في الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٣٠٦ و ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>