للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ملك القلوب من الجند، وعاملوه بغاية النصح، وربما وهب المال في مجالس أنسه " (١).

وينوه المقري بشجاعة ابن مردنيش، ويقول إنه كان من أبطال عصره، وأنه كان يدفع في المواكب ويشقها شقاً، يميناً وشمالا، منشداً:

أكرُّ على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها (٢).

وجمعت الأقدار بين ابن مردنيش وزعيم يشبهه في كثير من صفاته وميوله، وكان له أكبر عضد في مضاعفة صولته، وتوطيد سلطانه، وهو إبراهيم ابن محمد بن مفرج بن همشك، وهو مثل ابن مردنيش شخصية تتميز بصفاتها الخاصة، وهو من أصل نصراني صريح، فجده مفرج أو همشك نصراني نزح إلى سرقسطة، وأسلم على يد أحد ملوك بني هود في أواخر أيامهم، وكان مقطوع إحدى الأذنين، فكان النصارى إذا رأوه في القتال عرفوه وقالوا " هامشك "، ويقول لنا ابن الخطيب أن معنى هذه العبارة في لغتهم " ترى المقطوع الأذن " (٣) وأصل العبارة في القشتالية هو ا He Mochico وبالتفصيل He aqui el Mocho pequeno, El desorejado menor. ومعناها مقطوع الذيل الصغير، ومقطوع الأذن (٤). ولما سقطت سرقسطة في أيدي النصارى، وغادرها بنو هود، تحول إبراهيم بن همشك إلى قشتالة، وخدم ملكها حيناً، ثم ترك خدمة النصارى، ونزح إلى الأندلس، وخدم اللمتونيين بعد أن أعلن توبته، وشفع فيه بعض الأكابر. ولما ندب يحيى بن غانية لولاية قرطبة من قبل تاشفين بن علي بن يوسف في سنة ٥٣٨ هـ (١١٤٣ م) التحق بخدمته.

ولما ثار القاضي ابن حمدين بقرطبة في العالم التالي، وتسمى بأمير المسلمين، وكان ابن غانية يومئذ في منطقة الغرب يطارد ثوارها، بعثه ابن غانية رسولا إلى قرطبة لمحاولة عقد الصلح بينه وبين ابن حمدين. ولكن الحوادث اتخذت يومئذ في قرطبة وجهة أخرى، ثم اتسع نطاق الثورة بالأندلس، وتوالت الإنقلابات في قواعد الشرق، فاتصل ابن همشك بابن عياض، وقد تغلب يومئذ على بلنسية، ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى سنحت لابن همشك فرصة لاحتلال حصن شقوبش،


(١) ابن الخطيب في الإحاطة ج ٢ ص ٨٣.
(٢) نفح الطيب (القاهرة) ج ٢ ص ٣٢٢.
(٣) الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٣٠٥.
(٤) M. Gaspar Remiro: Murcia Musulmana, p. ١٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>