للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضحى محمد بن سعد بن مردنيش بتغلبه على بلنسية، ومرسية، سيد المنطقة الشرقية كلها، وامتد سلطانه من أحواز طرطوشة شمالا حتى قرطاجنة ولورَقة جنوباً. ولما كان من الواضح أنه لا يستطيع أن ينصرف إلى توطيد سلطانه في تلك المنطقة الشاسعة إلا إذا أمن جانب النصارى، وهم جيرانه من الشمال والغرب واستطاع بذلك أن ينصرف إلى مقارعة الموحدين، الذين جازت جيوشهم الأولى إلى شبه الجزيرة، فقد رأى أن تكون مسالمة الممالك النصرانية، شعاره الذي لا يحيد عنه، وأن يعقد معها التحالف كلما سنحت بذلك الفرص ودعت الضرورات.

ومن ثم فقد عقد لأول ولايته مع أمير برشلونة الكونت رامون برنجير الرابع صلحاً لمدة أربعة أعوام، وعقد معاهدة صلح أخرى مع ملك قشتالة الإمبراطور ألفونسو السابع (ألفونسو ريمونديس). وكان يؤدي لكل منهما في السنة جزية قدرها خمسون ألف مثقال من الذهب. ولم تقف هذه السياسة في مصانعة النصارى ومصادقتهم، عند حدود شبه الجزيرة، بل شملت الدول النصرانية في خارجها.

ففي العام الثاني من حكمه، أعني في سنة ٥٤٣ هـ (١١٤٩ م) عقد ابن مردنيش مع جمهورية بيزة معاهدة صلح مدتها عشرة أعوام، ثم عاقد معاهدة أخرى مع جمهورية جنوة، يتعهد فيها بأن يؤدي إليها إتاوة قدرها عشرة آلاف دينار مرابطية خلال عامين، وأن يبني للرعايا الجنويين الذين يقطنون في بلنسية ودانية فندقاً يزاولون فيه تجارتهم، وأن يمنحهم حماماً مجانياً في كل أسبوع، وتعهدت جمهورية جنوة من جانبها بأن لا تحدث أضراراً لأحد من رعايا الملك لوبو في طرطوشة وألمرية. وكان ابن مردنيش فضلا عما تقدم يراسل كثيراً من الملوك النصارى في مختلف أنحاء القارة، ويبعث إليهم بالهدايا القيمة. ومن ذلك أنه أرسل إلى هنري الثاني ملك انجلترا، هدية قيمة من الذهب والحرير والخيل والجمال، وبعث إليه ملك انجلترا هدية جليلة (١).

وظهر ابن مردنيش منذ البداية بفائق عزمه وشجاعته وإقدامه، كما ظهر بوافر شهامته وجوده. ويقول لنا ابن الخطيب إنه " كان له يومان في الأسبوع، يوم الاثنين والخميس، يشرب مع ندمائه، ويجود على قواده وخاصته وأجناده، ويذبح الأبقار في المواسم، ويفرق لحومها على الأجناد، ويتخلل ذلك لهو كثير،


(١) F. Codera: Decad. y Disp, de los Almoravides, p. ١١٥ & ١٢٠-١٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>