ابن عطية، وأنه في الوقت الذي كان فيه ابن عطية، يقوم بمهمته في الأندلس، كان ابن عبد السلام، يتولى الوزارة، ويتزعم خصوم ابن عطية، في مطاردته، وتدبير الوسائل الكفيلة بسحقه، وأنه لما عاد ابن عطية من الأندلس مسرعاً لمناهضة سعي خصومه، انتهى الأمر باعتقاله، ثم إعدامه مع أخيه وذلك في شهر صفر سنة ٥٥٣ هـ. وإذن فمن المرجح أن يكون ابن عبد السلام، قد تولى الوزارة لعبد المؤمن قبل هذا التاريخ ببضعة أشهر. وعلى أي حال، فقد شاء القدر أن يلقي ابن عبد السلام نفس المصير الذي لقيه زميله ابن عطية. وذلك أنه لما خرج عبد المؤمن إلى غزوة المهدية، وعرج في طريقه على سلا، كان ابن عبد السلام في ركابه، فوجهه عبد المؤمن إلى الأندلس ليستطلع أحوالها بسرعة. فسار الوزير إلى إشبيلية، ثم إلى قرطبة وغرناطة، وتفقد أحوالها، وأبلغ إلى الأشياخ والطلبة ما كان لديه من الأوامر والتوجيهات ثم عاد إلى الخليفة، وكان ما يزال بمحلته في سلا، وأبلغه نتيجة مهمته. ثم تحرك عبد المؤمن إلى تلمسان، واستدعى معه واليها وهو ولده السيد أبو حفص، ثم سار إلى بجاية، واستدعى معه كذلك واليها، وهو ولده السيد أبو محمد عبد الله. وكان الوزير ابن عبد السلام، عندئذ في ذروة سلطانه ونفوذه يهيمن على سائر الشئون، ويراقب أحوال السادة أبناء الخليفة، وينقل أخبارهم إليه، وكان مما نقل إليه أنهم يشربون الخمر، ويعكفون على اللهو، ويأتون فعالا قبيحة، فتأثر الخليفة لذلك، وعهد إلى بعض أشياخ الموحدين بتحقيق هذا الأمر، فقاموا بالمهمة، وراقبوا السادة، وانتهوا إلى التحقق من بطلان التهم الموجهة إليهم، فأدرك عبد المؤمن عندئذ تحامل وزيره، وأسرها له. ولما حدث أثناء حصار المهدية من زحف الموحدين على قابس، كان ابن عبد السلام، على رأس الجيش المهاجم.
فلما افتتحها الموحدون، استاثر الوزير بجمع الأسلاب والغنائم والأموال، واحتجز
وأخفى منها ما شاء. وفي أثناء غيبته تكلم أشياخ الموحدين في حقه، وشكوا من استعلائه عليهم، ورغبوا إلى الخليفة أن يكون ابنه أبا حفص، هو صلة الوصل بينه وبينهم، فاستجاب الخليفة إلى رغبتهم. ولما تم فتح المهدية، وتمزيق طوائف العرب في إفريقية، ارتد عبد المؤمن في قواته إلى تلمسان ومعه وزيره ابن عبد السلام. وهناك ارتفعت الشكوى للخليفة من عمال ابن عبد السلام، وظلمهم، وتعديهم على الرعية، ومن قرابته كومية، وتجرئهم على سلب