للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأموال، ومضاعفة الجباية، وغير ذلك من المظالم الفادحة بممالأة ابن عبد السلام، وتشجيعه، وحمايته، فأمر الخليفة بجمع المتظلمين وأشياخ الموحدين وطلبة الحضر والقاضي، لسماع أقوالهم، فأفاضوا في التظلم والشكوى، وكرروا اتهاماتهم، ونقلت أقوالهم إلى عبد المؤمن، فأبدى دهشته مما يحدث، ومن كثرة الأموال التي تجمع، وكونها لا تصل إليه، وقلة ما بيده منها، وعجزه عن أن يمد أجناده الموحدين بالعطاء المجزي، هذا مع أن لمتونة لم تكن تملك مثل إمبراطوريته الشاسعة، كانت بالنسبة لأجنادها أكثر بذلا وإنصافاً. وغادر الخليفة مجلسه مغضباً، وكان ابن عبد السلام حاضراً ذلك المجلس، فتوجس شراً، ولم يأت ظهر ذلك اليوم حتى تحققت مخاوفه، وقبض عليه في مجلسه، وسيق إلى المطبق. ولما غادر الخليفة تلمسان، أوعز بقتل ابن عبد السلام، فقدم إليه طعام مسموم توفي عقب تناوله، وكفّر بذلك عما أثم به في حق زميله الوزير ابن عطية، وكان ذلك فيما يرجح في أواسط سنة ٥٥٥ هـ (١١٦٠ م) (١).

وكان من الأعمال البارزة التي قام بها عبد المؤمن، عقب افتتاح المهدية، وتوطد سلطانه في سائر نواحي إفريقية والمغرب، البدء بتكسير الإمبراطورية الموحدية أعني مسحها من برقة إلى السوس الأقصى، ومن شاطىء البحر المتوسط إلى مشارف الصحراء، على أن يسقط من التكسير الثلث في الجبال والوهاد والأنهار والسبخات والطرق، وما بقى يفرض عليه الخراج، وأن تلزم كل قبيلة بأداء قسطها من الزرع والوِرْق أي المال، وكان عبد المؤمن هو أول من قام بمثل هذا الإجراء من ملوك المغرب (٢).

- ٢ -

وهكذا شعر عبد المؤمن بعد افتتاح المهدية، واستكمال سيادة الموحدين على سائر نواحي إفريقية، أن الأندلس تتطلب مزيداً من عنايته واهتمامه. ولم ينس أن الحركة التي قام بها ابن مردنيش بالاستيلاء على جيان، وتهديد قرطبة وإشبيلية، قد تتفاقم وتقضي على سيادة الموحدين الفتية في شبه الجزيرة. ومن ثم فقد حزم أمره على أن يعبر البحر إلى الأندلس، لينظر في شئونها، ولينظم وسائل الدفاع عنها.


(١) كتاب المن بالإمامة على المستضعفين - المخطوط المشار إليه لوحة ٢٢ أ، والبيان المغرب القسم الثالث - ص ٤٣ و ٤٤.
(٢) روض القرطاس ص ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>