للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومئذ فرناندو الثاني ولد القيصر ألفونسو ريمونديس، وهو الذي تعرفه الرواية العربية " بالببوج "، والثالث يسير إلى قشتالة، وملكها يومئذ ألفونسو الثامن طفل تحت الوصاية، والرابع يسير صوب مملكة أراجون وبرشلونة، وملكها يومئذ ألفونسو الثاني. واستحسن الخليفة اقتراح ابن وزير ووافق عليه.

ولم تمض أيام قلائل على ذلك حتى مرض عبد المؤمن مرضه الذي لم يبرأ منه. ولم توضح لنا الرواية نوع هذا المرض الذي حمل الخليفة إلى القبر، والذي يقتصر ابن صاحب الصلاة على وصفه، " بالوجع "، بيد أنه لبث يشتد ويتفاقم، حتى كان يوم الجمعة الثاني من جمادى الآخرة، وقد شعر الخليفة بدنو أجله، فأمر بإسقاط اسم ولده وولي عهده محمد من الخطبة، وكان هذا القرار يخفي مأساة عائلية، كان الحليفة يود أن يتلافى آثارها قبل موته. وذلك أنه نمى إليه أن محمداً يشرب الخمر، ويبدو مخموراً أمام الأشياخ والقادة في هيئة زرية، ويرتكب أموراً طائشة مخلة بالكرامة، وأنه يغلب عليه الخور وجبن النفس، وقيل أيضاً إنه كان مصاباً بالجذام (١). ومن ثم فقد رأى أنه لا يصلح للخلافة، وأنه يجب تنحيته وإبعاده، ودعا الأشياخ إلى سريره، وأخطرهم بتنحية ولده محمد وتولية يوسف، باعتباره أصلح من يتولى الخلافة، وأوصاهم بتنفيذ إرادته ومبايعته، ولاسيما الشيخ أبى حفص عمر الهنتاني عميد الأشياخ، واستوثق من ولده أبى حفص بتقديم شقيقه الأصغر يوسف، وكان أبو حفص يتولى الوزارة والحجابة لأبيه حسبما تقدم ذكره. وفي الأيام القلائل التالية تفاقم مرض الخليفة واشتد به الألم، وفي فجر يوم الثلاثاء الثامن من جمادى الثانية - وفقاً لرواية البيذق - توفي الخليفة عبد المؤمن بن علي. بيد أنه إذا أخذنا بهذه الرواية فلا بد أن الوفاة كانت في فجر اليوم السادس وهو الموافق ليوم الثلاثاء، حيث كان اليوم الثاني من جمادى الآخرة يوافق يوم الجمعة، وهو اليوم الذي أسقط فيه اسم محمد من الخطبة. ويقول لنا ابن صاحب الصلاة إن عبد المؤمن توفي ليلة الجمعة العاشر من جمادى الآخرة سنة ٥٥٨ هـ (١٥ مايو سنة ١١٦٣ م)، وهي رواية تبدو أرجح لانطباقها مع تسلسل الأيام والتواريخ (٢). وكانت وفاته بمحلته في سلا، وكان عند وفاته في الثالثة والستين من عمره، وقيل في الرابعة والستين، وكانت


(١) المراكشي في المعجب ص ١٣١، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٩٣.
(٢) كتاب المن بالإمامة لوحة ٤٥ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>