للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أواخر سنة ٥٥٧، من غزو نصارى مدينة شنترين بالبرتغال لمدينة باجة، واستباحتها، واحتلالها في ٢٢ شهر ذي الحجة هذا العام (أول ديسمبر ١١٦٢ م)، ومكثهم بها نحو أربعة أشهر، قبل أن يغادروها، بعد أن دمروا ربوعها، وخربوا أسوارها (١).

وأقام عبد المؤمن بمراكش فترة يسيرة، حتى أول عام ش ٥٥٨ هـ، وهو يتابع بعناية تلك الاستعدادات الضخمة للجهاد في الأندلس. ثم خرج من حاضرته ليزور قبر المهدي في تينملل، وكان الفصل شتاء، والبرد قارساً، والأمطار والثلوج تنهمر بشدة، حتى غمرت سائر السهول والربى، ومع ذلك فقد شق الخليفة طريقه إلى تينملل بعزم، وجاز المياه والثلوج الغامرة، ولم يبال بما أصابه من البلل، وتبعه أشياخ الموحدين بصعوبة، ثم أدى زيارته المأثورة لقبر المهدي، وعاد إلى حاضرته، ليستأنف الاستعداد للجهاد.

وفي اليوم الخامس عشر من ربيع الأول سنة ٥٥٨ هـ (١٩ فبراير سنة ١١٦٣ م) خرج عبد المؤمن من مراكش، وسار إلى رباط الفتح، تتقدمه الجيوش الموحدية الجرارة، في تؤدة وهوادة، فلما وصل إلى رباط الفتح، كانت البقاع المجاورة فيما بين سلا والمعمورة، قد ضاقت بهذه الجيوش الضخمة التي يقدرها المؤرخ المعاصر بأكثر من مائة ألف فارس، ومائة ألف راجل (٢). وتقدرها بعض الروايات الأخرى بأكثر من ثلاثمائة ألف فارس، من الموحدين والمرتزقة العرب والبربر.

ومن المتطوعة ثمانون ألف فارس ومائة ألف راجل (٣)، وزعت عليهم جميعاً الأعطية والصلات السخية. وما كاد الخليفة يستقر في محلته، حتى استدعى إليه سائر القادة والأشياخ من الموحدين والعرب، وأهل الرأي، وعقد مجلساً حربياً عاماً، ليبحث خير الوسائل لتنفيذ الغزوة الأندلسية الكبرى وتوجيهها، سواء في البر أو البحر، وكان من بين الحاضرين أبو محمد سيدراي بن وزير، فشرح للخليفة أحوال الأندلس وما يحسن أن يعمله، واقترح ابن وزير ووافقه الأشياخ، أن تقسم الحملة الكبرى إلى أربعة جيوش، يسير أولها إلى البرتغال لمقاتلة ابن الرنك صاحب قلمرية (ألفونسو هنريكيز)، والثاني يسير إلى مملكة ليون، وملكها


(١) كتاب المن بالإمامة لوحة ١١٧.
(٢) ابن صاحب الصلاة في كتاب المن بالإمامة لوحة ٤١.
(٣) الاستقصاء ج ١ ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>