أبو يعقوب. وقامت هذه الحكومة الجديدة لعاصمة الخلافة القديمة، بتنظيم شئونها المختلفة، وتعمير قصورها ودورها المهدمة، وإصلاح حصونها وأسوارها، وتأمين أهلها، فساد الهدوء والطمأنينة في أرجائها، بعد أن لبثت أعواماً طويلة، مسرحاً للفتن المخربة، والفورات المزعجة، وعاد إليها الكثير من أهلها الذين غادروها، مستبشرين بالعهد الجديد. ثم انصرف الشيخ أبو يعقوب عائداً إلى العدوة، واستمر السيدان من بعده فترة يسيرة، حتى فاتحة المحرم من سنة ٥٥٨ هـ، وعندئذ وردت دعوة الخليفة إلى ولده السيد أبى يعقوب يوسف بالمثول إلى حضرته، فبادر بالسير إلى إشبيلية، ولم يقم بها سوى أيام قلائل، ثم غادرها إلى العدوة، ولحق بأبيه الخليفة، وبقى السيد أبو سعيد بقرطبة، قائماً على شئونها، متعهداً لمصالحها، وأضيف إليه النظر على إشبيلية، وكان يعاونه القائد القدير أبو إسحق براز ابن محمد المسوفي، وندب للنيابة على إشبيلية أبو داود بلول ابن جلداسن، وتولى شئون المخزن بها محمد بن المعلم، واستمر الأمر على ذلك فترة يسيرة أخرى.
- ٥ -
في خلال ذلك كانت حوادث المغرب تنذر بتطورات خطيرة. وكان عبد المؤمن حينما تلقي نبأ انتصار الموحدين في موقعة السبيكة، وهو بعدوة سلا (الرباط) قد اعتزم أن يعد العدة لاستئناف الجهاد بالأندلس، في البر والبحر على أوسع نطاق ممكن، فأمر بكتب الكتب إلى سائر الجهات والقبائل، لاستنفار الناس، وحثهم على الجهاد في سبيل الله، وأمر بإنشاء الأساطيل (القطائع)، فأنشىء منها مائتا قطعة، وقيل أربعمائة، أعد منها في مرسى المعمورة على شاطىء وادي سبو، شمالي ثغر سلا، مائة وعشرون قطعة، وأعد الباقي في مختلف ثغور العدوة والأندلس، وأمر بإعداد الوفير من العتاد والمؤن والعلوفات، وكان قد أعد منها خلال سنة ٥٥٧ هـ، أكداس هائلة في وادي سبو، في حمى الجبال المشرفة عليه، وجلبت الخيل من سائر أنحاء إفريقية والمغرب، وجلبت كذلك مقادير وفيرة من السهام والرماح الطوال، والدروع، والبيضات، والتروس، والبنود، والكسى، ووزع ذلك كله على طوائف الموحدين والعرب الموالين من سائر القبائل (١)؛ وأذكى هذا العزم على الجهاد في الأندلس، وأكده ما وقع
(١) ابن صاحب الصلاة في كتاب المن بالإمامة لوحة ٣٩ والمراكشي في المعجب ص ١٣١.