فسر بها أيما سرور، وصدرت أوامره فيما يتعلق بشئون الأندلس بتحقيق أمرين، الأول أن يجعل من غرناطة وقصبتها مركز دفاع قوي، وأن تشحن بالعتاد ُوالأقوات، والثاني أن ينقل مركز الحكم الموحدي بالأندلس من إشبيلية إلى قرطبة، وأرسلت لتحقيق الأمر الأول، من شواطىء العدوة إلى ثغر المنكب عدة سفن مشحونة بالاقوات والسلاح، ونقلت حمولتها إلى غرناطة، وزودت قصبتها من ذلك بكميات كبيرة، وندب لتنظيم شئون الدفاع عن المدينة إلى جانب الموحدين، عدة من الزعماء الأندلسيين الموثوق بهم من أهلها، وكان القصد من ذلك أن تغدو غرناطة مركز الدفاع الرئيسي في جنوبي الأندلس، أو تغدو " سنام " الأندلس حسبما يقول ابن صاحب الصلاة.
وأما فيما يتعلق بنقل مركز الحكم إلى قرطبة، فقد بعث عبد المؤمن إلى ولده السيد أبى يعقوب يوسف، والشيخ أبى يعقوب سليمان " الأمر العزيز " باستيطان قرطبة، وأن تكون مقر الأمير، ومقر الحكم بالأندلس، إذ هي " مُوَسّطة الأندلس " كما تغدو مستقر الجيوش الموحدية. ووصل بهذا الأمر أبو اسحق برّاز بن محمد اللمتوني. وعلى أثر ذلك سار السيدان أبو يعقوب يوسف، وأبو سعيد، والدا الخليفة، ومعهما القائد يوسف بن سليمان، إلى قرطبة فوصلوا إليها في الخامس عشر من شهر شوال سنة ٥٥٧ هـ، وخرج أهل قرطبة لاستقبالهم في جموع حاشدة حافلة، واستدعى إليها من إشبيلية عدة من أشياخها وأعيانها وكتابها، ومنهم أبو القاسم بن عساكر، وأبو بكر الخطار، ويذكر لنا ابن صاحب الصلاة، أنه كان من بين أولئك الكتاب المدعوين إلى العمل.
وطُلب كذلك أن تُنقل من إشبيلية إلى قرطبة سائر الدواوين والأموال، التي جمعت من القواعد المنزوعة من الثوار. وهكذا غدت قرطبة، بعد إشبيلية قاعدة الحكم الموحدي بالأندلس، واستردت قرطبة بذلك رياستها وأهميتها وحيويتها القديمة، ورتبت بها الإدارات، واستعمل الكتاب والأشياخ في مختلف الأعمال، واختار أبو اسحق لحكم إشبيلية بعض أصحابه، وقام هو على النظر في شئون المخازن (الشئون المالية) في قرطبة وسائر البلاد الخاضعة للموحدين، ولم يزل قائماً بهذه المهمة حتى توفي في سنة ٥٥٩ هـ (١).
واستقر السيدان أبو يعقوب وأبو سعيد حيناً بقرطبة، ومعهما القائد الشيخ
(١) ابن صاحب الصلاة في كتاب المن بالإمامة لوحة ٣٣ و ٣٤.