للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقعة عنيفة هائلة، وأبلى الموحدون في قتال ابن همشك وحلفائه النصارى أعظم البلاء، وقتلوا منهم جموعاً غفيرة، ولم يأت الصباح، حتى مزق الوحدون أعداءهم تمزيقاً وشتتوا في كل ناحية، وقتل معظم قادتهم، وفي مقدمتهم ألبار ردريجس الأصلع وزميله ولد كونت أورقلة، ورفعت رأس الأصلع بعد أيام بمدينة قرطبة على باب القنطرة، وقتل كذلك معظم القادة الأندلسيين، ومنهم ابن عبيد صهر ابن مردنيش. وكان مما حز في نفس ابن مردنيش، وانفطر له فؤاده، أنه لم يستطع، وهو بقواته على الضفة الأخرى من نهر حدرُّه، أن يبادر لإنجاد صهره ابن همشك، فلبث يرقب تمزيق قواته جامداً، حتى تم الظفر للموحدين، وتمت الهزيمة الساحقة على ابن همشك. وتعرف هذه الموقعة بموقعة السبيكة. ودخل الموحدون غرناطة ظافرين، في ظهر ذلك اليوم - يوم الجمعة الثامن والعشرين من رجب سنة ٥٥٧ هـ (١٣ يوليه ١١٦٢ م)، وخرج الموحدون المحصورون من القصبة، وقتلوا سائر خصومهم والمتحالفين مع أعدائهم من أهل غرناطة، وارتد ابن مردنيش وابن همشك كل بقواته، وسار الأول صوب مرسية، وسار الثاني في فلوله صوب جيان، والموحدون في أثره. وكان من أثر هذا النصر الموحدي، أن سارعت سائر النواحي في منطقة غرناطة، إلى إعلان الطاعة والتوحيد. وعنى السيد أبو يعقوب يوسف والقائد يوسف بن سليمان بالنظر في شئون غرناطة، وإصلاح قصبتها وأسوارها، وإثابة من كان من الموحدين المحصورين والإنعام عليهم. واستقرت الأمور بها، وسادتها السكينة والهدوء (١).

وسار الموحدون في أثر ابن همشك إلى قاعدته جيان، ولكنه لم يقف بها، بل ترك أمر الدفاع عنها إلى وزيره أبى جعفر الوقَشي، فامتنع بها، وحاصرها الموحدون حيناً دون جدوى، وعاثوا فيما حولها من الأراضي، وانتسفوا زروعها، ودمروا قراها، حتى أصبحت خراباً مطلقاً، ثم غادروها عائدين إلى قواعدهم (٢).

وبعث السيد أبو يعقوب يوسف، والقائد ابن سليمان بأنباء النصر يوم الوقيعة، إلى الخليفة عبد المؤمن، وكان ما يزال برباط الفتح قبالة سلا،


(١) نقلنا تفاصيل هذه الموقعة الكبيرة عن ابن صاحب الصلاة في كتاب " المن بالإمامة " اللوحات ٢٩ إلى ٣٢. ويراجع ابن الأثير ج ١١ ص ١٠٦، والإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٣٠٩ و ٣١٠، وج ٢ ص ٨٩ و ٩٠، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٥٢ و ٥٣، وهو يلخص أقوال ابن صاحب الصلاة.
(٢) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>