للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي الرواية الموحدية التي يقول بها مؤرخا الموحدين المعاصران، البيذق، وابن صاحب الصلاة. بيد أن هناك رواية أخرى، يقدمها إلينا ابن الأثير، وهي أنه لما توفي عبد المؤمن بسلا، كتمت وفاته، وحمل من سلا إلى مراكش فوق محفة، وكأنه مريض، ولما وصل إلى مراكش استبد ابنه أبو حفص بشئون الحجابة، وكان يصدر أوامره باسم أبيه، ويقول للناس أمير المؤمنين أمر بكذا، واستمر على ذلك حتى كملت البيعة لأخيه يوسف، في سائر البلاد والنواحي، واستقرت الأمور، وعندئذ أظهر موت أبيه (١). وينقل إلينا ابن خلكان رواية أخرى، ينفرد بها في شأن محمد وأخيه يوسف في قيول إنه لما توفي عبد المؤمن خلفه ولده محمد، وتولى الأمر مدة خمسة وأربعين يوماً حتى شعبان سنة ٥٥٨ هـ، ولكن سرعان ما اضطربت الأمور، وظهر منه من اختلال الرأي وكثرة الطيش، وجبن النفس، ما أدى إلى خلعه، وكان الذي سعى في خلعه أخواه أبو حفص عمر ويوسف. ولما تم خلعه، انحصر الأمر بين أخويه المذكورين، فتأخر عمر، وسلم الأمر إلى أخيه يوسف فبايعه الناس، واتفقت عليه الكلمة (٢).

وينقل إلينا المراكشي هذه الرواية في المعجب (٣). بيد أنه يبدو، إزاء ما تؤكده لنا الرواية الموحدية المعاصرة، أنها رواية ضعيفة لا سند لها.

- ٦ -

كان الخليفة عبد المؤمن بن علي، عبقرية فذة، تنطوي على طائفة من أبدع الخلال التي تصاغ منها العظمة والبطولة، وقد شادت هذه العبقرية دولة من أعظم الدول الإسلامية، تمتد من أواسط شبه الجزيرة الإسبانية شمالا حتى مشارف الصحراء الإفريقية الكبرى جنوباً، ومن طرابلس الغرب شرقاً حتى شواطىء المحيط الأطلنطي غرباً، وشادتها في ظروف صعبة، وفي غمر الكفاح المضني، من إمارات وقبائل بربرية متنابذة متفرقة الكلمة، لم تعرف خلال حياتها الطويلة معنى للنظام والاتحاد، ولم تأنس لأي نوع من الخضوع والطاعة،


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ١٠٩.
(٢) ابن خلكان ج ٢ ص ٤٩٣. ويقول لنا ابن خلكان إنه نقل هذه الرواية من كتاب بخط العماد بن جبريل أخى المعلم المصري ناظر بيت المال بالديار المصرية، فيه فوائد من أخبار المغاربة وغيرهم.
(٣) المعجب ص ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>