للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفاجأة. ولكن عبد الرحمن الأموي لم يلو في طريقه على شىء، وقصد إلى إلبيرة توا، وحاصر يوسف والصميل. فلما شعرا بأن المقاومة عبث، فاوضاه في الصلح والتسليم بالأمر له، ونبذ كل دعوى في الولاية والسلطة، على أن يؤمنهما في النفس والمال والأهل، وأن يُؤمن حلفاؤهم وأصدقاؤهم جميعاً، وأن يُسمح لهما بسكنى قرطبة تحت رعايته ورقابته، فأجابهما عبد الرحمن إلى الصلح على ذلك، وعلى أن يقدم يوسف ولديه عبد الرحمن ومحمداً أبا الأسود رهينة لديه، يعتقلهما في قصر قرطبة برفق وإكرام، حتى تطمئن النفوس وتستقر الأمور، وتم عقد الصلح بين الفريقين في صفر سنة ١٣٩هـ، وأفرج عن أبي عثمان وباقي الأسرى الذين أسرهم ولد يوسف، وتصافى الفريقان، وقفل يوسف والصميل مع عبد الرحمن إلى قرطبة، وانفض جندهما (١). ونزل يوسف بشرقي قرطبة في قصر الحر الثقفي أحد الولاة السابقين، ونزل الصميل بداره بالربض (الضاحية)، وأبدى عبد الرحمن نحوهما عطفاً وليناً، وهو مع ذلك يشدد عليهما الرقابة، ويحرص على تجريدهما من كل سلطة وقوة. وكان في قرطبة فل من عصبة يوسف وأنصاره السابقين، الذين نالوا على يديه جاها وحظوة، يتطلعون إلى العهد السابق، ويلومون يوسف على تسليمه واستكانته، ويحرضونه على استعادة مركزه وسلطانه، وكان يوسف من جهة أخرى يشعر أنه في شبه اعتقال، وأن عبد الرحمن يضيق الخناق عليه، ويؤلب عليه صنائعه، ينازعونه في أملاكه وأمواله لدى القضاء، والقضاء يميل إلى غبنه وإعناته، حتى ذهب معظم أملاكه، وهو يشعر أن عبد الرحمن من وراء ذلك الاضطهاد (٢). عندئذ عول على الفرار، وكاتب أنصاره في ماردة وطليطلة، ثم فر إلى ماردة، وكان بها معظم أهله وأصهاره (سنة ١٤١هـ)، وهناك حشد أنصاره من العرب والبربر، حتى اجتمع له زهاء عشرين ألفاً، وتخلف الصميل ولم ويوافقه، فقبض عليه عبد الرحمن وألقاه في غيابة السجن بتهمة التحريض والتآمر. وبينا كان عبد الرحمن يحشد جنوده، سار يوسف بقواته إلى إشبيلية، وعليها عبد الملك بن عمر بن مروان المعروف بالمرواني، فحاصره في إشبيلية حتى أتاه ولده عبد الله بالمدد، ثم وقعت بينهما معارك شديدة


(١) راجع نفح الطيب ج ٢ ص ٦٦؛ وأخبار مجموعة ص ٩٣ و٩٤؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٥٠.
(٢) المقري عن ابن حيان (نفح الطيب ج ٢ ص ٦٦)، وأخبار مجموعة ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>