للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتل فيها كثير من الفريقين، وارتد يوسف منهزما بفلوله. وكان عبد الرحمن الأموي يرابط عندئذ بقواته في حصن المدوّر، الواقع على مقربة من غربي قرطبة، على نهر الوادي الكبير، فوافته الأخبار بهزيمة يوسف وفراره، فتوقف عن مطاردته، وسار يوسف إلى طليطلة، ولبث يتردد في أنحائها مدى أشهر، وهو يحاول أن ينظم قواته مرة أخرى، ولكن بعض الخونة من أنصاره أو مواليه ائتمروا به، واغتالوه ذات يوم على مقربة من طليطلة، وحملوا رأسه إلى عبد الرحمن في قرطبة (سنة ١٤٢هـ). والظاهر أن هذه الجريمة لم تكن بعيدة عن وحي عبد الرحمن. وانتهت بذلك حياة يوسف الحافلة المضطربة، وأمن عبد الرحمن شره وخطره، وقتل ابنه عبد الرحمن المعتقل لديه، ورفع رأسيهما فوق الرماح أمام القصر ليلقي الرعب في قلوب الخوارج والمخالفين (١). أما ولد يوسف الآخر وهو محمد أبو الأسود، فقد استطاع أن يفر من سجنه، وقصد تواً إلى طليطلة معقل عصبة أبيه وتحصن بها، فبعث عبد الرحمن في أثره جيشاً بقيادة تمام بن علقمة وعينه والياً لطليطلة، فحاصرها حتى سلمت، وأسر محمد بن يوسف ثانية وجىء به إلى قرطبة، واستولت جنود عبد الرحمن على طليطلة (ذى الحجة سنة ١٤٢)، وسحق بذلك وكر الثورة الفهرية. وزج محمد إلى السجن ثانية وادعى العمى حتى استطاع الفرار بعد محنة طويلة، وعاد يرفع علم الثورة كما سيأتي. واستطاع أخوه الأصغر القاسم بن يوسف أن يفر من طليطلة متنكراً قبل سقوطها. وأما الصميل، فلبث يرسف في سجنه مدى أسابيع أخرى حتى دس عليه عبد الرحمن من قتله داخل السجن خنقا (أواخر سنة ١٤٢هـ) (٢).

وهكذا انتهت بذهاب يوسف والصميل مرحلة خطيرة من الإضطراب والقلاقل. كان يوسف شخصية قوية وزعيما ممتازاً، وقد استطاع أن يحكم الأندلس زهاء عشرة أعوام في ظروف عصيبة، وأن يسهر على وحدتها وسلامتها بقوة


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٥١؛ وأخبار مجموعة ص ١٠٠. ولكن كوندي يورد عن مصرع عبد الرحمن بن يوسف رواية أخرى هي أنه كان عند مقتل أبيه حرا طليقا، وقتل في معركة دموية نشبت بينه وبين جنود تمام بن علقمة والي طليطلة ( Conde: ibid, V.I.p. ١٧٤) وهي رواية ظاهرة الضعف.
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ٦٧؛ وابن الأبار في الحلة السيراء ص ٥٠؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٥١، وأخبار مجموعة ص ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>