الموحدية من المسائل الدقيقة، التي واجهت عبد المؤمن. وقد كانت مسألة المكوس والمغارم التي تفرضها الدولة المرابطية على رعاياها، من المسائل التي شهر بها المهدي ابن تومرت، وعددها بين مثالب المرابطين، باعتبارها مغارم غير شرعية يحرمها الكتاب والسنة. وكانت الدولة الموحدية في البداية تحرص على ألا تحيد عن تطبيق هذا المبدأ في فرض الجبايات، وتلغى سائر المغارم المحرمة، وتكتفي بتحصيل الزكاة والأعشار، وهذا ما يسجله الخليفة عبد المؤمن في رسالته التي بعث بها عقب فتح بجاية سنة ٥٤٧ هـ، إلى أهل قسنطينة، يدعوهم إلى الطاعة، ويذكرهم بما هو مفروض عليهم منذ أيام " أهل الاختلاق والابتداع " من " القبالات والمكوس والمغارم وسائر تلك الأنواع "، وأن الله قد أراح الناس بالتوحيد، من تلك المغارم، وأنه سوف لا يطلب إليهم إلا ما أوجب الله، وما توجبه السنة من " الزكوات، والأعشار "(١). وقد كان ما استولى عليه الموحدون من ثروات الدولة المرابطية وذخائرها، في المغرب والأندلس، وما كانوا يحصلونه من غنائم خصومهم المهزومين، يكفي في البداية لمواجهة نفقات الحرب والإدارة. بيد أنه لما اتسع نطاق الغزوات والفتوحات في المغرب والأندلس، وتضاعف عدد الجيوش الموحدية الغازية، اضطر عبد المؤمن إلى التماس مصادر أخرى للنفقة، فكان مما استحدثه، ما نقله إلينا صاحب روض القرطاس، من أنه أمر بمسح بلاد إفريقية والمغرب من برقة، إلى السوس الأقصى، بالفراسخ، والأميال، طولا وعرضاً، وأسقط من هذه المساحة مقدار الثلث مقابل الجبال والأنهار والطرقات وغيرها من التوالف، وما بقي فرض عليه الخراج، وألزمت كل قبيلة بأن تؤدي قسطها من الزرع والمال، وهكذا تحررت السياسة المالية الموحدية، من الجمود الذي فرضته عليها تعاليم المهدي، ولتتطور مع مقتضيات ما تحتاج إليه الدولة من ضروب النفقة العسكرية والإدارية.
* * *
وترك عبد المؤمن من الولد ستة عشر من البنين، وهم أبو يعقوب يوسف الخليفة من بعده، وأبو حفص عمر، وأبو عبد الله محمد المخلوع من ولاية العهد، وأبو محمد عبد الله والي بجاية، وأبو سعيد عثمان والي غرناطة وقرطبة، وأبو علي الحسن، وأبو علي الحسين، وأبو الربيع سليمان، وأبو زكريا يحيى،
(١) مجموعة الرسائل الموحدية - الرسالة السادسة - ص ٢١ و ٢٢.