للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترتب على ذلك ما عمدت إليه الدولة المرابطية بإيعاز فقهائها، من مطاردة العلماء الذين يعنون بعلم الكلام والأصول، ومطاردة الكتب المتعلقة بذلك، وفي مقدمتها كتب الغزالي، وجاء ابن تومرت فاتخذه أيضاً مادة لدعايته الدينية ضد الدولة المرابطية، حسبما فصلنا من قبل في موضعه.

إلى جانب هذا العامل الخطير في تصدع أسس الدولة المرابطية، كان ثمة عامل آخر، يحدث أثره السيىء في تحطيم قواها المادية والأدبية، هو انهيار منعتها العسكرية. ذلك أن الدولة المرابطية نشأت في مهاد التقشف والبداوة، واستمدت من بداوتها ومن حماستها الدينية، صلابتها الحربية، وكانت هذه المَنَعة التي تمتاز بها جيوش لمتونة وزميلاتها من القبائل المختلفة، تذكيها وتضاعفها، نزعة الجهاد في سبيل الله. وفي ظل هذه النزعة الجهادية استطاع المرابطون عند مطلع نهضتهم في مشارف الصحراء الكبرى، أن ينشروا بجهادهم وغزواتهم المستمرة تعاليم الإسلام، في غانة ومالي وموريتانيا. ولما عبرت الجيوش المرابطية إلى شبه الجزيرة لتنقذ الأندلس مما يتهددها من خطر الفناء، على يد اسبانيا النصرانية، كانت هذه النزعة إلى الجهاد، أخص ما يميزها، إلى جانب ما اشتهرت به من المنعة والبسالة. وحتى بعد أن تحولت الجيوش المرابطية، من مهمتها في إنجاد الأندلس، إلى جيوش غازية، وأصبحت الأندلس جزءاً من الدولة المرابطية الكبرى، فإن هذه النزعة إلى الجهاد في سبيل الله، لبثت حيناً آخر شعار الجيوش المرابطية في شبه الجزيرة، فكانت موقعة أقليش، وكانت موقعة إفراغة، وكانت ثمة مواقع محلية أخرى، ظهرت فيها الجيوش المرابطية، ببسالتها، وتفانيها في الجهاد في سبيل الله.

بيد أنه سرعان ما خبت هذه الروح، وخصوصاً بعد أن اختفى من الميدان أقطاب القادة المرابطين، الذين امتازوا بالجرأة والشجاعة والبراعة العسكرية، أمثال سير بن أبى بكر اللمتوني، وأبى محمد مزدلي، ومحمد بن الحاج، ومحمد ابن فاطمة، وسرعان ما تأثر الأمراء والقادة المرابطون، بما انغمسوا فيه من ثروات الأندلس، ونعمائها، وحياتها المرفهة، وتأثر الجند المرابطون، أبناء الصحراء والقفر، بحياتهم الجديدة الرغدة، في هذه القواعد العظيمة، والوديان النضرة، والعيش الرخص، وفت ذلك في مقدرة الجيوش المرابطية، ومنعتها القديمة، وأضحت عاجزة عن أن تقوم بمهمتها الأساسية في حماية الأندلس، ورد عادية

<<  <  ج: ص:  >  >>