للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الرياء لبستموا ناموسكم ... كالذئب أولج في الظلام العاتم

فملكتموا الدنيا بمذهب مالك ... وقسمتموا الأموال بابن القاسم

وركبتموا شهب الدواب بأشهب ... وبأصبغ صبغت لكم في العالم (١)

كانت هذه الثيوقراطية أو الدكتاتورية الدينية، وما ترتب عليها من مثالب وأهواء لا مفر منها، أهم عامل في ضعف الحكم المرابطي وفساده، وكان من جراء ذلك أن تحولت المزية الرئيسية، لصفة الدولة المرابطية، وهي الأساس الديني المغرق، إلى عنصر من عناصر الانحلال الخطر، واستحالت فضائل التقى والزهد والورع، لدى الأمير، إلى نوع من الخضوع الأعمى، لطائفة لا تُؤمَن مطامعها وأهوائها، هي طائفة الفقهاء، الذين غدوا يسيطرون على الأمير، ويحكمون الدولة، لا من وراء ستار فقط، ولكن كذلك في نوع من الجهر، وفقاً لهذه المطامع والأهواء. أضف إلى ذلك أن هذه الطائفة كانت إلى جانب هذا الاستغلال لنفوذها الديني، تتسم خلال العهد المرابطي بالقصور وضيق الأفق، ولم تكن في شىء من ذلك التعمق العلمي، الذي كان يمتاز به جيل الفقهاء القدامى، أيام الدولة الأموية، في دراسة الشريعة وأصول الدين، وذلك حينما كان فقهاء أقطاب مثل عيسى بن دينار، ويحيى بن يحيى، وعبد الله ابن حبيب، وبقي بن مخلد، يتبوأون ذورة النفوذ العلمي، ولكن يقف نفوذهم عند حدود الفتيا والشورى ومزاولة القضاء. بل كان الفقهاء أيام الدولة المرابطية، يقتصرون حسبما أشرنا من قبل على دراسة علم الفروع من العبادات والمعاملات والحدود والأقضية، وعلى مذهب مالك دون غيره. وهذا ما ينوه به المراكشي في قوله: " لم يكن يقرب من أمير المسلمين، ويحظى عنده، إلا من علم علم الفروع أعني فروع مذهب مالك، فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب، وعمل بمقتضاه، ونبذ ما سواها، وكثر ذلك حتى نسى النظر في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد من مشاهير أهل ذلك الزمان يعتني بها كل الاعتناء، ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شىء من علوم الكلام، وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين، تقبيح علم الكلام، وكراهة السلف له، وهجرهم من ظهر عليه شىء منه، وأنه بدعة في الدين " (٢). وقد


(١) المراكشي في المعجب ص ٩٥.
(٢) المراكشي في المعجب ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>