للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" أقامت بلاد الأندلس في مدته سعيدة حميدة، في رفاهية عيش، وعلى أحسن حال، لم تزل موفورة محفوظة إلى حين وفاته، وقد كان الجهاد انقطع بها منذ تسع وسبعين سنة من مدة آل عامر إلى حين دخوله إليها. قدم أشياخ المرابطين فيها وكانوا أقواماً ربتهم الصحراء، نيتهم صالحة لم تفسدها الحضارة، ولا مخالطة الأسافل " (١).

وما ينقله إلينا عن القاضي أبى بكر بن العربي، وهو ما جاء في كتابه في شرح الترمذي، وهو قوله:

" المرابطون قاموا بدعوة الحق، ونصرة الدين، وهم حماة المسلمين، الذابون والمجاهدون دونهم، ولو لم يكن للمرابطين فضيلة ولا تقدم إلا وقيعة الزلاّقة التي أنسى ذكرها حروب الأوائل، وحروب داحس والغبراء مع بني وائل، لكان ذلك من أعظم فخرهم، وأربح تجرهم " (٢).

والقاضي ابن العربي من أعلام فقهاء الأندلس في العصر المرابطي، وقد توفي في سنة ٥٤٢ هـ، على أثر عوده من لقاء عبد المؤمن، عقب افتتاحه لمراكش، وكان قد وفد إليه على رأس زعماء إشبيلية، ليقدم إليه بيعة أهلها، حسبما أشرنا إليه في موضعه. هذا وينقل إلينا صاحب روض القرطاس عن ابن جنّون الفقرة الآتية:

" كانت لمتونة أهل ديانة ونية صادقة خالصة، وصحة مذهب، ملكوا بالأندلس من بلاد الفرنج إلى البحر الغربي المحيط، ومن مدينة بجاية من بلاد العدوة، إلى جبال الذهب من بلاد السودان. لم يجر في عملهم طول أيامهم رسم مكروه، معونة ولا خراج في بادية ولا في حاضرة، وخطب لهم على أزيد من ألفي منبر. وكانت أيامهم دعة ورفاهية ورخاء متصل، وعافية وأمن. . كان ذلك مصطحباً بطول أيامهم، ولم يكن في بلد من أعمالهم خراج ولا معونة، ولا تقسيط، ولا وظيف من الوظائف المخزنية، حاشا الزكاة والعشر، وكثرت الخيرات في دولتهم، وعمرت البلاد، ووقعت الغبطة، ولم يكن في أيامهم نفاق ولا قطاع طريق، ولا من يقوم عليهم، وأحبهم الناس إلى أن خرج عليهم محمد بن تومرت مهدي الموحدين سنة خمس عشرة وخمسمائة " (٣).


(١) الحلل الموشية ص ٥٩.
(٢) الحلل الموشية ص ١٠٥.
(٣) راجع روض القرطاس ص ١٠٨، ونقله أيضاً السلاوي في الإستقصاء ج ١ ص ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>