للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو من كل ما تقدم أن الحكم على العهد المرابطي، كالحكم على أي عهد آخر من عهود التاريخ، يتردد بين القدح والمديح. ونحن لا نود أن نقف اعتباطاً عند إحدى الوجهتين. بيد أنه يلوح لنا أنه إذا كان حكم المرابطين، ولاسيما في الأندلس، قد ينطوي من بعض نواحيه على أخطاء ومثالب، فإنه من الناحية الأخرى، قد أغمط حقه وبولغ في انتقاصه والحملة عليه.

ولنقف هنا لحظة لنحاول أن نستعرض بعض العوامل والأسباب التي هيأت ذلك الجو المجحف بسمعة المرابطين، وأذكت ضدهم حملة الانتقاص والتشهير التي ما زال صداها يتردد حتى يومنا. ويلوح لنا أن هذه العوامل ترجع إلى ثلاثة أمور يمكن أن نلخصها فيما يلي:

الأول، هو ما اقترن بالفتح المرابطي لممالك الطوائف الأندلسية من مظاهر القسوة البالغة، ومن قتل عدد من أمراء الطوائف بصورة مثيرة، مثل بعض أبناء المعتمد بن عباد، والمتوكل بن الأفطس وولده وغيرهم من الأمراء والأكابر، ونهب الأموال، ومعاملة الجند المرابطين لقواعد الأندلس معاملة المدن المفتوحة، والعيث فيها دون وازع. وقد كان المسئول الأول في ذلك هو سير بن أبى بكر اللمتوني كبير القادة المرابطين وفاتح إشبيلية وبطليوس. وفي اعتقادنا أنه لو كان عاهل المرابطين يوسف بن تاشفين موجوداً في شبه الجزيرة في تلك الفترة، لأمكن اجتناب كثير من هذه الحوادث الدموية، وهذا العيث الفظيع. على أنه يمكن أن نقول من جهة أخرى أن قسوة أمير المسلمين في معاملة المعتمد بن عباد وهلاكه في سجنه بأغمات، على النحو المؤسي الذي وقع، كانت أيضاً مادة خصبة لتغذية هذه الحملة المرة على المرابطين. وقد كان لما صدر من المعتمد في سجنه من النظم المبكي، أعمق وقع وأبعد صدى في تصوير هذا الأمير الشاعر، بالرغم من كل ما أحاق بسيرته وسلوكه من أخطاء ومثالب، في صورة الشهيد الذي يستحق أبلغ عطف. ونحن نجد ذلك الصدى بالأخص، فضلا عن الأدب والشعر الأندلسي، ماثلا لدى الكتاب والمؤرخين المشارقة. وقد كان لحملاتهم العنيفة على أمير المسلمين وعلى المرابطين، أكبر الأثر في إذكاء هذه الحملة التي صدعت من هيبة المرابطين وهيبة عاهلهم حتى عصرنا.

والأمر الثاني، هو ما وقع منذ بداية عهد علي بن يوسف من مطاردة كتب الدين والفلسفة وغيرها، ولاسيما كتب الأصول وفي مقدمتها كتب الغزالي. وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>