للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرنا فيما تقدم إلى ما كان من تأثير الفقهاء على أمير المسلمين علي بن يوسف. ولم يك ثمة شك في أن مطاردة الحركة الفكرية على هذا النحو يرجع قبل كل شىء إلى وحي الفقهاء وتدبيرهم. وقد كان لهذه السياسة، أثر بالغ في إذكاء عاطفة السخط ضد المرابطين بالأندلس، ولاسيما في البيئة الفكرية، وفي توجيه الأقلام ضدهم أو على الأقل في حرمانهم من عطف هذه الأقلام. ومما هو جدير بالذكر أنه فيما عدا أمثلة قليلة، يندر أن نجد في الأدب الأندلسي من نظم أو نثر خلال العهد المرابطي، مدائح شعرية أو رسائل نثرية تشيد بالمرابطين أو أمرائهم.

والأمر الثالث، هو الحملة العنيفة المضطرمة التي شهرها المهدي ابن تومرت ضد المرابطين، ونحن نعتقد أن هذه الحملة كانت أخطر عامل في القضاء على هيبة الدولة المرابطية، وسمعتها الدينية، وهي الدعامة التي قامت عليها. والواقع أن ابن تومرت قد لمس في دعايته ضد المرابطين أشد النواحي حساسية وتأثيراً، وذلك حينما صور المرابطين بأنهم كفار خوارج على شريعة الإسلام، وأنهم قد ارتكبوا كثيراً من المناكر المثيرة، من إباحة للمحرمات من ذيوع الخمر، والقصف والفسق، واغتصاب أموال الناس بالباطل، وغير ذلك مما كانت مظاهر العاصمة المرابطية، وأحوال الدولة المرابطية، والمجتمع المرابطي، تؤيده في ذلك الوقت بصفة فعلية. وقد استمرت هذه الدعاية الملتهبة التي شهرها المهدي ضد المرابطين طول حياته، واستمرت من بعده، وحتى بعد أن سقطت الدولة المرابطية ومحيت آثارها، وكان لها أبلغ الأثر في القضاء على هيبة المرابطين وسمعتهم بصفة نهائية.

تلك هي العوامل التي اجتمعت لتصدع من هيبة الدولة المرابطية، ولتسبغ على سيرتها، وعلى ذكرياتها لدى الأجيال اللاحقة، ذلك اللون القاتم، الذي تأثل بمضي الزمن، وبما جنحت إليه التواريخ والكتابات المتعاقبة، من الأخذ به دون تمحيص أو تفنيد.

وما من شك في أن الدولة المرابطية قد لبثت طوال عهد مؤسسها العظيم يوسف بن تاشفين، وهو نصف حياتها، دولة مجاهدة، تحتفظ بكثير من فضائلها الأولى، من التقشف والمَنَعة والعدالة والتمسك بأحكام الكتاب والسنة. وقد كان افتتاح المرابطين للأندلس على النحو الذي تقدم، بعده عبورهم إليها إخوة منقذين، أول سحابة قاتمة أسبلت على دولتهم، وعلى سياستهم ومراميهم. وقد ناقشنا هذه المسألة في موضعها من كتابنا " دول الطوائف "، وأوضحنا ما لها وما عليها، على ضوء

<<  <  ج: ص:  >  >>