للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظروف التي أحاطت بها. بيد أنه مهما قيل في هذه المسألة، فإن الفتح المرابطي للأندلس، فضلا عن كونه حدث يتفق مع روح العصر الذي وقع فيه، لا يمكن أن يُمحي ما تقدمه، وما أعقبه من فضل المرابطين في الجهاد، وسحقهم لجيوش اسبانيا النصرانية، في موقعة الزلاّقة العظيمة، التي كانت أروع مثل لبطولتهم، وجهادهم في سبيل الله، وإنقاذهم الأندلس بذلك من خطر الفناء الداهم. ولا يمكن أن يمحى فضلهم بعد ذلك في الذود عن الأندلس، وحمايتها من مطامع ألفونسو المحارب ملك أراجون، وألفونسو ريمونديس ملك قشتالة. ويكفي أن نستعرض في تلك الحقبة، مراحل جهادهم وغزواتهم في أراضي اسبانيا النصرانية، منذ موقعة أقليش (٥٠١ هـ) حتى موقعة إفراغة (٥٢٨ هـ)، وهي تنطوي على صفحات مشرقة من الجهاد في سبيل الله، والذود عن الدين والوطن، وفيها تبدو بسالة هذه الجمهرة الممتازة من القادة المرابطين، الذين سبق أن ذكرناهم غير مرة فيما تقدم.

ومن المسلم به أن هذه الصفحات من جهاد المرابطين في سبيل إنقاذ الأندلس والذود عنها، هي أنصع ما في تاريخهم من تلك الفترة التي حكموا فيها الأندلس.

على أنه يجب من جهة أخرى ألا نبالغ في تقدير هذه النزعة الجهادية، وهذه الصفحة من الجهاد المرابطي في الأندلس، فإنه يوجد ثمة ما يغشى صفاءها، وينتقص من عظمتها. ذلك أن المرابطين كانت لديهم بعد نصر الزلاّقة الحاسم، أكثر من فرصة لمهاجمة اسبانيا النصرانية وضربها في الصميم، وكان بوسعهم، لو صدقوا العزم، وضاعفوا الهمة، أن يستردوا مدينة طليطلة العظيمة، قبل أن تنتعش قوى اسبانيا النصرانية من ضربة الزلاقة. ولكنهم لم يبذلوا هذه المحاولة في وقتها. وقد ناقشنا هذه المسألة في موضعها عند الكلام على نتائج موقعة الزلاقة.

أجل إن المرابطين، حاولوا في بداية عهد علي بن يوسف، استرداد طليطلة، وهاجموها، حاصروها مرتين، الأولى في سنة ٥٠٣ هـ (١١٠٩ م)، والثانية في سنة ٥٠٧ هـ (١١١٤ م)، ولكنهم أخفقوا في المرتين، بالرغم مما بذلوه في كل مرة من الجهود العنيفة. ذلك أن الفرصة كانت قد ولّت، والوقت قد فات.

ولما اضطربت شئون اسبانيا النصرانية بعد ذلك بقليل، وشغلت بحروبها الأهلية، لم يكن بوسع المرابطين أن يستغلوا هذه الفرصة، لما دهمهم بالمغرب من ثورة المهدي ابن تومرت، وعجزهم عن أن يبعثوا إلى شبه الجزيرة بقوات كبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>