للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمة سقطة أخرى تصدع من قيمة جهاد المرابطين بالأندلس، هي موقفهم من الدفاع عن مدينة سرقسطة. فقد رأينا فيما تقدم، كيف تخلى المرابطون، وأميرهم أبو الطاهر تميم بن يوسف، عن الاستجابة إلى صريخ المدينة المنكوبة، ورفضوا بذل أية محاولة لإنقاذها، وآثروا الانسحاب والسلامة، مع أنهم كانوا يرابطون في ظاهرها على مقربة من النصارى المحاصرين لها، وترتب على ذلك أن اضطرت المدينة العظيمة المسلمة إلى التسليم (سنة ٥١٢ هـ). وتنوه الرواية الإسلامية بما ينطوي عليه هذا الموقف من الجبن والخزى، وهو موقف كان له أكبر الأثر في النيل من هيبة المرابطين العسكرية.

أما حكم المرابطين للأندلس، فإنه يبقى من الناحيتين الإدارية والاجتماعية، عرضة لكثير من وجوه المؤاخذة والنقد. ومن الواضح أن المرابطين وضعوا الأندلس، عقب افتتاحها، تحت حكم عسكري مطلق، ونزعوا أبناءها كل سلطة فعلية في حكم بلادهم، واحتفظوا للمرابطين بسائر المناصب العليا من ولاية وقيادة، وبالرغم من أن أولئك الولاة والقادة المرابطين، كانوا على الأغلب رجالا، من ذوي الحزم والبراعة العسكرية، والصفات البدوية النقية، فإنه كان ينقصهم المرونة والكياسة في حكم أمة متمدنة كالأمة الأندلسية، وكانت أساليبهم العنيفة الخشنة في ذلك، تجافى ما طبعت عليه الأمة الأندلسية من الأساليب الرفيقة المصقولة. ولم تظهر آثار هذا الحكم المطلق في صورها البغيضة، أيام يوسف بن تاشفين، حيث كانت هيبة البطل المرابطي، وحزمه وبعد نظره، وميله إلى تحقيق العدالة، ورفع المظالم، تلطف كثيراً من وقع الحكم الجديد، على الأمة التي كانت تشعر نحوه بشكر الصنيعة. واستطاع ولده على في أوائل حكمه، أن يحتفظ بقسط من محبة أهل الأندلس وتقديرهم. وقد كان في الواقع أميراً صالحاً، محباً للخير، يضمر أحسن النيات بالنسبة للأندلس، والذود عنها، وبالنسبة لطرائق حكمها، وذلك حسبما تدل عليه عدة من الرسائل الرسمية، التي صدرت عن ديوانه في شئون الأندلس، والتي وفق البحث أخيراً إن نشرها، لتلقي ضوءاً جديداً، على كثير من النواحي السياسية والنظامية المتعلقة بتاريخ العهد المرابطي في الأندلس (١).


(١) عنى بتحقيق هذه الرسائل ونشرها الدكتور محمود علي مكي في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، وذلك عن مخطوط مغربي كان ضمن تركة المرحوم الأستاذ ليفي بروفنسال، وحصل عليه معهد =

<<  <  ج: ص:  >  >>