للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفر سنة ٥٢٠ هـ، بمناسبة تعيينه قائداً عاماً للجيوش المرابطية بالأندلس (١).

وثمة رسالة موجهة من الأمير إلى محمد بن فاطمة، يحثه فيها على أن يستعمل من العمال، من يتبع الرفق والعدل، وأن يعزل منهم من ينحرف عن الأحكام ومن يأخذ أموال الرعية ظلماً، وأن يعاقبه على ذلك ويلزمه برد ما أخذ (٢).

هذا وتوجد ثمة رسالة هامة، تدل على عناية عليّ بأمر القضاء، وحسن تنظيمه، وبإقامة العدل واستتبابه، وهي رسالة موجهة منه إلى الوحيدي قاضي مالقة، في شهر ذي الحجة سنة ٥٢٣ هـ، وذلك على أثر ما قام بعض المرافعين (المتقاضين) من السفر إلى مراكش، والتظلم لدى الأمير، وفيها يعرف موضوع القضاء بأنه " رفع المشكلات، وتمييز الحقائق من المتشابهات والفصل بعد التبرم في الدعاوي والمنازعات "، ويطلب أن تنظر " شكاوي العامة في اللطيف والجليل "، وأن يجري التعرف على شئون الرعية، وأن يجري الحق في كل ما رفع من أحوالها، وما وقع فيه التظلم من عمالها، وأن الأمر في ذلك معلق على حسن اختيار النواب في الأقطار، وأنه يجب أن يتوفر في هؤلاء " الثقة والديانة والصون والأمانة "، فإذا وقع من أحدهم تعد أو جور، كان له أن يطلب عزله إلى الحاكم الذي يتبعه، فإن توانى في ذلك، فله أن يرفع الأمر إلى الأمير مباشرة. وفي الرسالة بعد ذلك حث على تحصيل الزكوات، على تباين أنواعها، وموجب فريضتها دون تحريف ولا تبديل (٣).

هذا مجمل ما تدلى به هذه المجموعة من الرسائل المرابطية: فهي من جهة تدلى بما كانت تنطوي عليه نفس أمير المسلمين من نيات صادقة في الأخذ بيد الأندلس، والذود عنها، وتدلى من جهة أخرى بما كانت تحرص عليه الحكومة المرابطية من جمع سائر السلطات بين يديها.

وكان الحجر على حرية الفكر من أسوأ صور الحكم المرابطي المطلق. ونحن نعرف ما عمد إليه أمير المسلمين علي بن يوسف، بتحريض فقهائه، من مطاردة كتب الأصول، وفي مقدمتها كتب الإمام الغزالي، ولاسيما كتاب " إحياء علوم الدين " (سنة ٥٠٧ هـ). وقد لبثت هذه المطاردة طوال العهد المرابطي،


(١) راجع الرسالة الثالثة ص ١٦٩.
(٢) الرسالة الخامسة عشرة ص ١٨٣ و ١٨٤.
(٣) تراجع هذه الرسالة الهامة وهي الرابعة من المجموعة في ص ١٧٠ - ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>