للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنرى مثلا في الرسالة التي وجهها أمير المسلمين تاشفين بن علي بن يوسف، إلى فقهاء بلنسية وأعيانها وأهلها، في جمادى الأولى سنه ٥٣٨ هـ، إلى جانب ما تحض عليه من وجوب الرفق بالرعية، وإجراء العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، والأخذ بمذهب مالك، دون غيره، في الفتيا وسائر الأحكام، حثاً على مطاردة كتب البدعة، " وخاصة كتب أبى حامد الغزالي "، وأنه يجب " أن يتتبع أثرها، ويقطع بالحرق المتتابع خبرها، ويبحث عليها، وتغلظ الأيمان على من يتهم بكتمانها " (١).

ومن الواضح أن هذه المطاردة الفكرية لم تكن تقف عند كتاب الأصول وكتب الغزالي، ولكنها كانت تشمل سائر المصنفات الكلامية والفلسفية، التي تنكرها التعاليم المرابطية، وغيرها مما تصفه الرسالة " بكتب البدعة ". وكان من ضحايا هذه المطاردة، عدة من المفكرين الأندلسيين، ومنهم العلامة الصوفي أبو العباس أحمد بن محمد الصنهاجي الأندلسي المعروف بابن العريف، حيث نفاه أمير المسلمين علي بن يوسف من بلده ألمرية إلى مراكش (٢).

ثم إنه يبدو من جهة أخرى أن الحكام المرابطين بالأندلس، لم يبدو حزماً كافياً في قمع طغيان الجند والعبيد التابعين لهم، وأن هؤلاء كانوا يرتكبون ضد أبناء الشعب الآمنين، ضروباً مثيرة من التعدي والأذى. وهذا ما يسجله لنا وزير وكاتب أندلسي كبير معاصر، هو أبو محمد عبد المجيد بن عبدون، المتوفى سنة ٥٢٠ هـ، (١١٢٦ م) وقد كان من كتاب الأندلس الذين خدموا في بلاط علي بن يوسف، يسجله لنا في رسالته التي وضعها عن القضاء والحسبة، حيث يقول عند " ذكر المرابطين ":

" يجب ألا يُلثم إلاّ صنهاجي أو لمتوني أو لمطي، فإن الحشم والعبيد ومن لا يجب أن يُلثم، يلثمون على الناس ويهيبونهم، ويأتون أبواباً من الفجور كثيرة، بسبب اللثام، وهماً، ويُكلم في ذلك مع السلطان، فإنهم عتاة. ويمتاز بذلك من عسى أن يُكرم أو يُوقر، أو تُقضى له حاجة من المرابطين، لأن العبيد


(١) وردت هذه الرسالة في المخطوط رقم ٥٣٨ الغزيري بالإسكوريال وقام بنشرها الدكتور حسين مؤنس ضمن مجموع النصوص السياسية المرابطية، وذلك في مجلة المعهد المصري بمدريد (العدد الثالث سنة ١٩٥٥) ص ١١٠ - ١١٣. وقد نشرناها نحن في باب الوثائق.
(٢) راجع في ترجمة ابن العريف ابن خلكان ج ١ ص ٦٧، والصلة لابن بشكوال (القاهرة) الترجمة رقم ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>