للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو الحشم إذا تلثم وغيّر شكله، حسبته رجلا مثيلا، فتجري إلى برِّه وإكرامه، وهو لا يتأهل لذلك. يجب ألا يمشي أحد في المدينة (١) بسلاح، فإن ذلك داعية إلى الفساد، ولاسيما البربر، فإنهم قوم إذا غضبوا، قتلوا أو جرحوا.

عبيد المرابطين إن تلثموا، فتكون علامة يعرفون بها، مثل أن يتلثموا بخمار أو بمئزر وشبه ذلك. وكذلك الحشم والأتباع، يكون شكلهم غير شكل المرابطين، وهذا أحسن إن قدر عليه، وفيه منافع كثيرة. يجب أن يُحمل مكان السلاح التي يحبسونها، إما أسواط لدوابهم، وإما أقزال، وهو الرمح الصغير " (٢).

فهذه الأقوال، تدل على أن طوائف الحشم والعبيد التابعة للحكام والسادة المرابطين، كانت تعتدى على الناس، وتعبث بالأمن، تحت ستار اللثام الوهمي.

كما تدل على أن الجند البربر كانوا يتسمون بالنزق وتوتر الأعصاب، مما يدفعهم إلى القتل والجرح بسهولة ودون تحوط.

وكذلك ليس ثمة شك في أن الحكم المرابطي بالأندلس، أخذت تشتد وطأته شيئاً فشيئاً، ولاسيما مذ بدأ اضطراب أحوال الدولة المرابطية بالمغرب، على أثر ظهور المهدي ابن تومرت، واشتداد حركته في أواخر عهد على بن يوسف، وعمد الحكام المرابطون عندئذ إلى تشديد قبضتهم في مختلف القواعد، واشتدوا في معاملة الأندلسيين، وكانت بوادر الخصومة والجفاء، قد ظهرت قبل ذلك بين الفريقين، وكان أخص مظاهرها ثورة قرطبة التي اضطرمت ضد المرابطين منذ سنة ٥١٤ هـ، ودلت بعنفها على حالة الأندلسيين النفسية، وما يضمرونه من بغض للحكم المرابطي ووسائله. وكان انشغال حكومة مراكش بحركة المهدي، وتضاؤل رقابتها، على شئون الأندلس، عاملا له أثره في ازدياد مثالب الحكم المرابطي بالأندلس، وترك حبله على الغارب، إلى الحكام المحليين، وكان من أثر ذلك أن ازداد سخط الشعب الأندلسي وحفيظته، وشعوره باقتراب الفرصة السانحة، للتحرر من نير حكم أجنبي، أضحى يرهقه، وأضحى يتوق هو إلى تحطيمه.

ونحسب أننا بهذا الاستعراض الموجز لظروف الحكم المرابطي وأحواله


(١) وهو يقصد هنا مدينة إشبيلية، حسبما يبدو من سياق ما سبق.
(٢) رسالة ابن عبدون في القضاء والحسبة المنشورة بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال ص ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>