للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يشهرها النصارى، والتي كانت تعصف بوديانها النضرة، وتبث إليها الخراب والجدب. فلما قضى المرابطون على دول الطوائف، ووضعوا حداً مؤقتاً لعدوان النصارى، ولما شغلت اسبانيا النصرانية، بحروبها الأهلية، عقب وفاة ألفونسو السادس، استطاعت الأمة الأندلسية، أن تتنفس الصعداء، وأن تستأنف نوعاً من حياة السلم والدعة. وهنالك ما يدل أيضاً على أنها تحررت في ظل العهد المرابطي، أو على الأقل في نصفه الأول، من كثير من المكوس والمغارم الظالمة، التي كانت تفرض عليها أيام الطوائف، لتغذية قصور أولئك الطغاة الأصاغر، بما كانت تنعم به من ضروب الإسراف والبذخ.

على ضوء هذه القرائن والظروف، نستطيع أن نقول إن الأمة الأندلسية، كانت في أعوام يوسف بن تاشفين الأخيرة، وفي أوائل عهد ولده علي، تتمتع بفترة من السكينة والرخاء، لم تعرفها منذ أيام الدولة العامرية، وقبل انهيار الخلافة الأندلسية. وإذا استثنينا ما فرضه المرابطون على الحياة العقلية، وعلى الطبقة المفكرة، من ضروب الحجر، فإنه يبدو أن طبقات الشعب العادية، كانت تشعر بتحسن مادي في حياتها، وكانت بعد أن خفت عنها وطأة الأعباء المالية والعسكرية، بعد اضطلاع المرابطين بشئون الجهاد والدفاع، تستطيع أن تنصرف إلى الأعمال السلمية، وإلى تحصيل أرزاقها وأقواتها، في هدوء وسلام، وأن تتمتع من جراء ذلك بشىء من الرخاء الذي كان ينقصها من قبل.

ومن ثم فإنه يسوغ لنا، بالرغم مما يمكن أن ينسب إلى الحكم المرابطي من صفات العسف والطغيان، أن نصف العهد المرابطي، بأنه كان بالنسبة للأمة الأندلسية عهد استقرار نسبي، تمتعت فيه بنوع من الدعة والرخاء. وهذا ما يؤيده قول المؤرخ معلقاً على حكم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين: " أقامت بلاد الأندلس في مدته سعيدة حميدة، في رفاهية عيش، وعلى أحسن حال، لم تزل موفورة محفوظة إلى حين وفاته " (١).

ومن جهة أخرى، فإنه ليس ثمة ريب في أن المغرب، كان يتمتع بمثل هذا الرخاء والدعة، في عهد يوسف بن تاشفين، وأوائل عهد ولده علي، أعني قبل أن تضطرب أحواله من جراء ثورة ابن تومرت. وإنه ليكفي أن نستعرض ما كان عليه المغرب، في أواسط القرن الخامس الهجري قبل قيام


(١) الحلل الموشية ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>