للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدولة المرابطية بقليل، من ضروب التفكك والفوضى، والحروب الأهلية المتوالية، لندرك أن قيام الدولة المرابطية كان بالنسبة للمغرب نوعاً من الإنقاذ القومي، وأن الأمة المغربية استطاعت أن تعيش في ظل الحكم المرابطي، عزيزة الجانب، موحدة الكلمة، وأن تتمتع بكثير من الأمن والرخاء، وأن تتحرر من كثير من المظالم، وضروب الفوضى، التي كانت تعانيها من قبل. ولدينا ما يؤيد ذلك من النصوص الصريحة. فمن ذلك ما ينقله إلينا صاحب روض القرطاس عن ابن جنّون وهو ما سبق أن اقتبسنا بعضه:

" كانت لمتونة أهل ديانة ونية صادقة خالصة، وصحة مذهب. وكانت أيامهم أيام دعة ورفاهية ورخاء متصل، وعافية وأمن، تناهي القمح في أيامهم إلى أن يباع أربع أوسق بنصف مثقال، والتامر ثمان أوسق بنصف مثقال، والقطاني لا تباع ولا تشترى. كان ذلك مصطحباً بطول أيامهم، ولم يكن في بلد من أعمالهم خراج، ولا معونة، ولا تقسيط، ولا وظيفة من الوظائف المخزنية حاشا الزكاة والعشر. وكثرت الخيرات في دولتهم، وعمرت البلاد، ووقعت الغبطة. ولم يكن في أيامهم نفاق ولا قطاع، ولا من يقوم عليهم، وأحبهم الناس، إلى أن خرج عليهم مهدى الموحدين في سنة خمس عشرة وخمس مائة " (١).

ومن الواضح أن ذلك كله ينصرف إلى عهد يوسف بن تاشفين وأوائل عهد ولده علي. فلما اضطربت الأمور عقب قيام حركة المهدي ابن تومرت تبدلت الأحوال، وغلبت الفوضى، وكثر الفساد، وغاض الأمن والرخاء، على نحو ما يحدثنا المراكشي في قوله، إنه في آخر عهد علي " ظهرت مناكر كثيرة، وفواحش شنيعة، من استيلاء النساء على الأحوال، واستبدادهن بالأمور، وكان كل شرير من لص أو قاطع طريق، ينتسب إلى امرأة قد جعلها له ملجأ وزراً على ما تقدم " (٢). ومهما يكن من مبالغة هذا التصوير، فإن الذي لا ريب فيه هو أن حركة المهدي ابن تومرت كانت ضربة قاضية، لكل ما حملته الدولة المرابطية إلى المغرب من أسباب الاستقرار والأمن والرخاء، وأن المغرب لبث خلال المعركة التي اضطرمت بين المرابطين والموحدين، يعاني كثيراً من أسباب الاضطراب والفوضى، إلى أن تم الظفر للموحدين. وتوطدت دعائم الدولة الجديدة.


(١) روض القرطاس ص ١٠٨.
(٢) المعجب ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>