للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآداب قد ازدهرت في ظل قصور الطوائف، ورعاية ملوكها، ازدهاراً يدعوا إلى الإعجاب، وإذاً فقد كان من الطبيعي، أن يستمر هذا الاندفاع وقتاً آخر قبل أن يخبو، وأن تحتفظ الحركة الفكرية بقوتها مدى حين، وذلك بالرغم مما فقدته في ظل العهد الجديد - العهد المرابطي - من عوامل الرعاية والتشجيع، التي كانت تغذيها أيام الطوائف.

وهذا ما يمكن أن نفسر به تلك الظاهرة، وهي أن الحركة العلمية والأدبية بالأندلس، لبثت خلال العهد المرابطي، تحتفظ بكثير مما كان لها أيام الطوائف من قوة وحيوية، وأن النصف الأول من القرن السادس الهجري، وهو الذي يستغرق عهد المرابطين، يحفل بجمهرة كبيرة من رجال العلم والأدب، ومنهم بعض الأقطاب البارزين.

ثم إنه يجب ألاّ ننسى إلى جانب ذلك، أن الدولة المرابطية، قد بذلت رعايتها لطائفة كبيرة من العلماء والأدباء الأندلسيين، واستخدم بلاط مراكش، والأمراء والحكام المرابطون بالأندلس، كثيراً منهم في مناصب الوزارة والكتابة، أسوة بما كانت تجرى عليه قصور الطوائف من حشد أعلام التفكير والبلاغة بها، ليزدان بهم بلاط الأمير، وليكونوا لسانه البليغ في تدبيج الأوامر والمراسيم، وفي مخاطبة الكافة. بيد أنه مما تجب ملاحظته، هو أن الدولة المرابطية، إذا كانت في حاجة لأن تستخدم كتاب الأندلس البلغاء، للإعراب عن رغباتها ومخاطباتها، فإنها لم تكن تعني بأمر الشعر أو تقدره قدره، ولم يستهوها رنينه وروعته، اللهم إلا في أواخر عهدها، حيث بدأ الشعراء ينظمون مدائحهم لعلي بن يوسف وولده تاشفين، ومما يذكر في ذلك ما لاحظه الشقندي في رسالته عن يوسف بن تاشفين من أنه " لولا توسط ابن عباد لشعراء الأندلس في مدحه، ما أجروا له ذكراً، ولا رفعوا لملكه قدراً، وأنه حينما أنشده الشعراء مدائحهم سأله المعتمد أيعلم أمير المسلمين ما قالوه، قال لا أعلم، ولكنهم يطلبون الخير " (١).

وسنحاول في هذا الفصل، أن نستعرض تلك الجمهرة من العلماء والأدباء الأندلسيين، الذين ظهروا في تلك الفترة القصيرة - فترة العصر المرابطي - ويأتي في مقدمة هؤلاء تلك الصفوة من الكتاب والأدباء، الذين ظهروا في أواخر عهد


(١) راجع رسالة الشقندى في فضائل الأندلس، وقد نشرها المقري في نفح الطيب (القاهرة، ج ٢ ص ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>