للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطوائف، واستدعتهم الدولة المرابطية لخدماتها، بعد أن زالت قصور الطوائف، وأصبحت الأندلس جزءاً من الإمبراطورية المرابطية الكبرى.

- ١ -

بدأ استخدام البلاط المرابطي للكتاب الأندلسيين، منذ عهد يوسف بن تاشفين ذاته، فكان كاتبه قبل أن يعبر إلى شبه الجزيرة، أديب أندلسي من أهل ألمرية، هو عبد الرحمن بن أسباط، حسبما أشرنا إلى ذلك في موضعه. فلما توفي سنة ٤٨٧ هـ، وكان يوسف قد افتتح ممالك اطوائف يومئذ، خلفه في منصب الكتابة، كاتب من أعظم كتاب الأندلس يومئذ، هو محمد بن سليمان الكلاعي الإشبيلي، ويكنى أبا بكر، ويعرف بابن القصيرة. فكان مثوله في البلاط المرابطي بداية لاحتشاد أعلام الكتابة الأندلسيين للخدمة فيه. وكان ابن القصيرة من وزراء بني عباد وكتابهم، خدم المعتضد ثم ولده المعتمد، وحظى لديه حتى غدا في أواخر عهده أعظم وزرائه نفوذاً وسلطاناً. ولما تحرجت الأمور، واشتد ألفونسو السادس ملك قشتالة في إرهاق الطوائف، كان ابن القصيرة ضمن سفراء الأندلس، الذين وفدوا إلى المغرب، لطلب الإنجاد والغوث من يوسف بن تاشفين.

ولما استولى يوسف على دول الطوائف، اعتزل ابن القصيرة وقتاً حتى استدعاه يوسف لكتابته، حسبما تقدم. وكان ابن القصيرة كاتباً بليغاً مبدعاً، ويصفه ابن الصيرفي بقوله " الوزير الكاتب الناظم، الناثر، القائم بعمود الكتابة، والحامل للواء البلاغة، اجتمع له براعة النثر وجزالة النظم ". ويصفه ابن بشكوال في الصلة بأنه " كان من أهل الأدب البارع، والتفنن في أنواع العلم ". وقد انتهت إلينا من آثار ابن القصيرة المنثورة، قطع عديدة، منها أولا نص المرسوم الصادر عن يوسف ابن تاشفين بإسناد ولاية العهد لولده علي، وهو مدبج بقلمه، وقد أوردناه من قبل في موضعه، ورسائل مختلفة أوردها لنا صاحب القلائد، وهي جميعاً تدل على قوة أسلوبه، وروعة بيانه. وكان ابن القصيرة شاعراً جزلا في نفس الوقت، وقد أورد لنا ابن الخطيب من شعره قصيدة في هجو ابن ذى النون، ومدح ابن عباد حينما استولى على قرطبة. وتوفي ابن القصيرة في جمادى الآخرة سنة ٥٠٨ هـ (١١١٤ م) (١).


(١) راجع في ترجمة ابن القصيرة. الصلة لابن بشكوال (القاهرة) رقم ١٢٥٣، وقلائد العقيان ص ١٠٤ - ١٠٦، والإحاطة في مخطوط الإسكوريال السالف ذكره لوحة ٦٤ و ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>