للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي امتداد لها منذ أيام الطوائف. ومع ذلك فإن هذه الحركة لم تخل من بعض عناصر القوة، التي نبتت وتأثلت في العصر المرابطي ذاته. وقد يرجع ذلك إلى أن الضغط الذي عانته الحركة الفكرية من الحكم المرابطي، لم يكن شاملا، ولم يكن بالأخص طويل الأمد.

وبالرغم من أن الحركة الفكرية الأندلسية لم تصل خلال العصر المرابطي، إلى ذلك المدى من الازدهار والفخامة والتنوع، الذي بلغته في ظل دول الطوائف، فإنا نستطيع مع ذلك أن نستعرض إلى جانب هذه الجمهرة من أكابر الكتاب الذين خدموا في البلاط المرابطي، جمهرة كبيرة أخرى من العلماء والأدباء والشعراء الذين ظهروا في تلك الفترة، ومنهم بالفعل عبقريات فذة، يمكن أن تزهو بها أية حركة عقلية.

ولنبدأ بذكر أعلام الأدباء من كتاب وشعراء، ولدينا منهم ثبت حاشد.

فمنهم أولا، أميران من أمراء بلنسية، هما أبو عبد الرحمن بن طاهر القيسي، وأبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز. وقد سبق أن أتينا على سيرة كل منهما في الحكم، وما تقلب فيه من أحداث السياسة. فأما أولهما أبو عبد الرحمن بن طاهر، فقد كان صنو جده أبى عبد الرحمن بن طاهر أمير مرسية أيام الطوائف، وأحد أمراء البيان المبرزين في عصره، كان صنوه في العلم والأدب، وفي سحر البيان وروعته، وكان إلى جانب ذلك شاعراً مطبوعاً. عاش بعد خلعه من الإمارة على يد ابن عياض، حيناً بمرسية، في عزلة مطبقة، وهو يشهد تطور الحوادث في شرقي الأندلس. ولما توفي محمد بن سعد بن مردنيش زعيم الشرق، وانهارت بوفاته جبهة الثورة ضد الموحدين، دخل ابن طاهر في الدعوة الموحدية، ثم عبر البحر إلى المغرب، واستقر بمراكش، وتوفي بها في سنة ٥٧٤ هـ (١).

ومن آثاره النثرية، رسالة يخاطب بها الخليفة عبد المؤمن، ويحاول فيها أن يثبت أمر الإمام المهدي بالأدلة التاريخية والمنطقية. وقد وضعها على طريقة المساجلة بالدليل والبرهان، بين النفس المطمئنة المؤمنة الراضية، والنفس النزوعية الثائرة. وتحمل النفس المطمئنة خلال حديثها على عهد المرابطين، وتصفه بعهد الضلال والفسق، وتحاول أن تؤيد صدق قضية المهدي وشرعية إمامته، وصحيح نسبته إلى آل البيت. وقد اقتنعت النفس النزوعية الأمارة بالسوء في النهاية بصدق


(١) أورد لنا ابن الأبار في الحلة السيراء ترجمة ضافية لابن طاهر (ص ٢١٦ - ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>