للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجاف عن الدنيا وعن برد ظلها ... فإن برودا لا يدوم حرور

فديتك لا تأسف لدنيا تقلصت ... وأوحش يوماً منبر وسرير

وإن عريت جرد المذاكي وذُللت ... أسودٌ فلم يسمع لهن زئير

وغودرت الرايات تهفو كأنها ... جوانح من ذعر عليك تطير

وكانت ولم تذعر عليك كأنها ... إذا رفرفت يوم الهياج نسور

طلبت وفاء والوفاء سجية ... ولكنها أم الوفاء نزور

رأيتك تبغي مثل نفسك في العلا ... طِلابٌ لعمري ما أردتَ عسير (١).

وظهر من علماء المتصوفة في شرقي الأندلس، أحمد بن محمد بن سفيان المخزومي أصله من جزيرة شقر من أعمال بلنسية، ودرس الأدب، ونظم الشعر، ثم مال إلى التصوف والزهد، وكان يعرف بالعابد. وكان ثرياً، ينفق على الفقراء والمعوذين أموالا جليلة. وأدركته وحشة من أمير الشرق، محمد بن سعد بن مردنيش، فخلع طاعته، ودعا للموحدين، وامتنع بالجزيرة، وذلك في أواخر سنة ٥٦٦ هـ فأدى ذلك إلى محاصرته حيناً، ولم ينفس عن أهله إلا وفاة ابن سعد بعد ذلك بنحو عام، في رجب سنة ٥٦٧ هـ.

ولابن سفيان شعر يقتصر على الزهد. ومن ذلك قوله من قصيدة:

كل عطاء فإلى علّة ... لا شك يقضي ولوجه السقم

إلا الذي منك بلا علة ... يا خالق العرش ومجرى القلم

كل الورى لابس ثوب الدجا ... لولا سنى منك يجلّى الظلم (٢).

ومن أقطاب المحدثين والمتصوفة بالشرق أيضاً أبو العباس أحمد بن معد ابن عيسى بن وكيل التجيبي المتزهد، ويعرف بابن الأقليشي، أصلهم من أقليش، ونزحوا إلى دانية، وبها ولد أبو العباس ونشأ. ودرس ببلنسية، وإشبيلية، وألمرية، وبرع في الحديث واللغة والأدب، وكان من أساتذته أبو محمد البطليوسي، وأبو بكر بن العربي، وأبو القاسم بن ورد، وغيرهم من أقطاب العصر، ورحل إلى المشرق في سنة ٥٣٢ هـ، فحج وجاور بمكة. وحدث


(١) راجع الحلة السيراء ص ٢٠٦ و ٢٠٧.
(٢) ترجمته في التكملة لابن الأبار ج ١ رقم ٢٠٠، وفي الذيل والتكملة لابن عبد الملك، المخطوط السالف الذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>