العام، ثم سار في جموعه غرباً واستولى على ماردة وقورية ومدلين، وعلى جميع المنطقة الواقعة حولها بين نهري التاجُه ووادي يانة، فقويت دعوته وعظم أمره، واشتد بغيه وعيثه في تلك الأنحاء، وأخذت العناصر المخالفة لعبد الرحمن من العرب في التحرك أيضاً. فعهد عبد الرحمن إلى والي طليطلة أن يقمع ثورة الدعي، فبعث إلى شنت برية جيشاً بقيادة سليمان بن عثمان، فخرج إليه الفاطمي في قواته، فهزمه هزيمة شديدة، وأسر قائده سليمان وقتله، وزاد هذا الظفر في سلطانه وبغيه. فسار إليه عبد الرحمن بنفسه في العام التالي (سنة ١٥٢هـ)، واقتحم منطقة الثورة، ونشبت بينه وبين البربر وقائع عديدة ثبت فيها البربر، وامتنع الثائر بالجبال، ولم يجد عبد الرحمن سبيلا إلى مطاردته. فارتد إلى قرطبة، وبعث إلى شنت برية مولاه بدراً ليتابع القتال، فاستمر الفاطمي ممتنعاً بصحبه في الجبال، محاذراً لقاء الجيش المهاجم. وعاد عبد الرحمن لقتاله بنفسه في العام التالي (سنة ١٥٤هـ)، وشدد في محاصرته ومطاردته، ولكنه لم يفلح أيضاً في حمله على مغادرة مواقعه، ثم بعث لقتاله في العام التالي مولاه عبيد الله بن عثمان، فخرج الفاطمي للقائه واستمال جنده البربر، وبث الخلاف إلى صفوفه، فانحل عسكره وأثخن فيه الفاطمي، ففر عبيد الله واستولى الثائر على معسكره وأسلاب جيشه، وقتل جماعة كبيرة من وجهاء جنده (سنة ١٥٥هـ)(١).
وهكذا فشلت الحملات المتوالية لإخماد الثورة في تلك المنطقة الوعرة، فعاد عبد الرحمن بجيش جديد إلى شنت برية، ولكنه لجأ عندئذ إلى وسيلة جديدة لتمزيق شمل الثوار، فاستقدم إليه كبير البربر في شرقي الأندلس واسمه هلال الميديوني، وأقره على ما بيده من الأنحاء، وأصدر له عهداً بولاية الأنحاء التي غلب عليها الفاطمي، وفوض إليه أمر استخلاصها منه، وكان لتلك الحيلة أثرها في بث الخلاف إلى صفوف البربر، فانفض عن الفاطمي كثير من أنصاره، واضطر أن ينسحب من شنت برية إلى الشمال ليعتصم بالجبال مرة أخرى، وبينا عبد الرحمن يجد في مطاردته ويقتحم معاقله وضياعه، وينكل بأنصاره حيثما وجدوا، إذ بلغه نشوب الثورة في إشبيلية ولبلة وباجة، وقوامها اليمنية من عصبة أبي الصباح
(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٥٦ و٥٧؛ وابن الأثير ج ٥ ص ٢٢٤؛ وابن خلدون ج ٤ ص ١٢٣.