للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستمر عبد الرحمن في محاصرة الخوارج، حتى أذعنوا لطلب الصلح، وسلموا اليه قائدهم فقتله، واستولى على القلعة وهدمها، ثم سار إلى شذونة فحاصرها حتى أذعن أهلها لطلب الأمان.

وفي العام التالي عادت الثورة فاضطرمت في إشبيلية، ومدبرها وزعيمها في تلك المرة أبو الصباح بن يحيى اليحصبي، صديق عبد الرحمن وحليفه، وكان أبو الصباح زعيم اليمنية في إشبيلية يوم قدوم عبد الرحمن إلى الأندلس، فكان في طليعة من هرعوا يومئذ لتأييده ونصرته، وقاتل معه يوم المسارة، وغدا إلى جانب أبى عثمان وعبد الله بن خالد، من خاصة أعوانه وأركان دولته. ولكن عبد الرحمن كان يحقد عليه ويتوجس منه، لحديث نقل عنه يوم المسارة بوجوب التخلص من عبد الرحمن بعد التخلص من يوسف الفهري ورد الأمر إلى اليمنية (١). وكان عبد الرحمن قد ولاه إشبيلية، ثم عزله عنها لما ظهر من عجزه عن قمع الفتنة، فغضب أبو الصباح وأظهر الخلاف، واجتمع إليه أنصاره، ورأى عبد الرحمن أن يأخذه بالحيلة والملاطفة، فبعث إليه تمام بن علقمة يدعوه إلى قرطبة للتفاهم، ويبذل له ما شاء من الوعود، فسار أبو الصباح إلى قرطبة في أربعمائة من رجاله، واستقبله عبد الرحمن بالقصر، وعاتبه على ما كان منه، فأغلظ أبو الصباح في الجواب، ولامه على النكث بوعوده له، فأمر الفتيان بقتله، فقتل طعناً بالخناجر وانفض جمعه (سنة ١٥٠هـ).

ولم يمض قليل على ذلك حتى نشبت فتنة خطيرة من نوع جديد، شغلت عبد الرحمن مدى الأعوام التالية، وكان نشوبها في شمال شرقي الأندلس بين البربر، وزعيمها ومثير ضرامها، داعية بربري خطر يدعى شقنا أو شقيا بن عبد الواحد، وأصله من بربر مكناسة، وكان فقيها يعلم الصبيان، فزعم ذات يوم أنه سليل النبي ومن ولد فاطمة والحسين، وتسمى بعبد الله بن محمد. فذاعت دعوته بين البربر في تلك المنطقة، وكانوا أكثرية بها. والخصومة بين العرب والبربر قديمة مؤثلة كما بينا، وقد كان البربر دائماً على قدم الأهبة للثورة ضد العرب. ولما آنس الدعي الفاطمي قوة جمعه، سار إلى شَنت بريّة (٢). فاستولى عليها وجعلها مركزه


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ٦٦؛ وابن القوطية ص ٣٠.
(٢) شنت برية وبالإسبانية Santaver من الكور الأندلسية القديمة التي اندثرت، وكان موقعها يشغل مقاطعة قونقة اليوم، وقاعدتها شنت برية تقع شرقي وادي الحجارة. وسميت كذلك عن اسمها القديم Santebria.

<<  <  ج: ص:  >  >>