للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعها اللواء الأسود وسجل المنصور للعلاء، وحمله بعض التجار الثقاة إلى مكة، حيث كان المنصور يؤدي فريضة الحج في العام التالي (سنة ١٤٧ هـ). وألقي أمام سرادق المنصور، وحمل إليه فارتاع لرؤيته، وقال ما معناه: " ما في هذا الشيطان مطمح، فالحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر " (١).

ْوهكذا استطاع عبد الرحمن أن يسحق هذه الدعوة الخطرة، وكان أخطر ما فيها أنها لم تكن دعوة حزب أو قبيلة، وإنما كانت دعوة عامة تدعمها الصبغة الشرعية، ولم يك أصلح منها لجمع خصوم عبد الرحمن من سائر الأحزاب والقبائل تحت لواء واحد (٢). ولما عاد عبد الرحمن إلى قرطبة كانت الثورة التي يثير ضرامها هشام الفهري في طليطلة، قد استفحلت واتسع نطاقها. فأرسل عبد الرحمن قائديه بدراً وتمام بن علقمة في جيش كبير إلى طليطلة، فطوقها وشدد الحصار عليها حتى ضاق أهلها ذرعاً، واضطروا إلى طلب الصلح، على أن يسلموا الزعماء الثائرين، وقبضوا على هشام وعدة من أصحابه، فأخذوا إلى قرطبة مصفدين معذبين، ثم صلبوا بأمر عبد الرحمن، وتم بذلك سحق الثورة في طليطلة إلى حين (سنة ١٤٧ هـ - ٧٦٤ م).

وفي أوائل سنة ١٤٩ هـ - ٧٦٦ م، خرج سعيد اليحصبي المعروف بالمطري بمدينة لَبْلة، مطالباً بثأر اليمانية الذين قتلوا مع العلاء، فهرعت إليه اليمانية وقوى جمعه. ثم سار إلى إشبيلية فاستولى عليها، وارتد عنها واليها عبد الملك بن عمر المرواني لقلة جنده، ولبث ينتظر المدد. وكانت إشبيلية مطمح كل ثائر لقربها من قرطبة، ولأنها لبثت مدى أعوام من أهم مراكز الثورة في الأندلس. وخرج في الوقت نفسه غياث بن علقمة اللخمي بمدينة شذونة ناكثاً لعهده. فسار عبد الرحمن أولا إلى إشبيلية، وانقلب المطري إلى قلعة رعواق القريبة وامتنع بها، فحاصره عبد الرحمن وقطع علائقه مع بقية أنصاره، فلما ضاق الثائر بالحصار ذرعا، حاول الخروج ليشق له طريقاً بين الجيش المحاصر، ووقعت بين الفريقين معركة شديدة قتل فيها المطري، وارتدت فلوله إلى القلعة، وقدموا عليهم خليفة بن مروان،


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٥٤؛ والمقري ج ١ ص ١٥٦ وج ٢ ص ٦٧؛ وأخبار مجموعة ص ١٠٢ و١٠٣؛ وابن القوطية ص ٣٣.
(٢) Dozy: Hist, V.I.p. ٢٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>