للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إفريقية، واستصدر منه سجلا بولايته للأندلس، ثم ارتد إلى الأندلس، وعاد إلى باجة في قوة كبيرة، ودعا لبني العباس، ورفع العلم الأسود، وأعلن أنه قد عين أميرا للأندلس من قبل المنصور (١) (سنة ١٤٦هـ). وكان الخليفة العباسي يحاول بهذه الدعوة، أن يحطم مشاريع بني أمية فيما وراء البحر، وأن يبسط سلطانه الإسمي على الأندلس. وقد رأينا أن عبد الرحمن بن حبيب المتغلب على إفريقية، دعا لبني العباس حينما انهار سلطان بني أمية، وكاتب الخليفة العباسي فأقره على حكم إفريقية، فكانت إفريقية تابعة لبني العباس من الوجهة النظرية، وهكذا كان شأن العلاء بن مغيث، فقد رأى أن يستظل في ثورته بالدعوة العباسية، لكي يسبغ عليها لونا من الشرعية، ولم يكن للخليفة العباسي اعتراض على محاولة لا يتحمل تبعتها من الوجهة المادية، وإن كان يعضدها من الناحية المعنوية، وقد أرسل بالفعل سجلا إلى الثائر بما طلب. وكان بعض الزعماء الخوارج على يوسف ابن عبد الرحمن، قد استظلوا بالدعوة العباسية كما قدمنا. وسنرى كيف يشهر الخوارج على عبد الرحمن الأموي هذه الدعوة في حوادث وخطوب أخرى (٢).

واضطرمت باجة وما حولها بنار الثورة، وهرعت القبائل والأحزاب المختلفة إلى الانضواء تحت اللواء الأسود، ولاسيما الفهرية واليمنية وجند مصر، واستفحل أمر العلاء وكثر جمعه، وانضم إليه أمية بن قطن وأصحابه. وأعلن غياث ابن علقمة الثورة في شذونة محالفا للعلاء. فخرج عبد الرحمن من قرطبة في جميع قواته، وبعث بدرا مولاه في بعضها إلى شذونة، فحاصرها حتى أذعن غياث لطلب الصلح. وسار عبد الرحمن إلى قرمونة ما بين قرطبة وإشبيلية نظرا لمناعتها، واتخذ موقف الدفاع، فسار إليه العلاء في جموعه، وهاجم قرمونة مرارا، وحاصرها مدى أسابيع حتى وهنت قوى جنده، وعندئذ انقلب عبد الرحمن من الدفاع إلى الهجوم، وداهم العلاء في صفوة جنده، ونشبت بين الفريقين معارك شديدة مدى أيام، حتى هزم العلاء ومزق جيشه، وقتل منهم آلاف عديدة، وكان العلاء نفسه بين القتلى؛ وأسر ابن قطن. وجمع عبد الرحمن رؤوس الزعماء والقادة من خصومه ورقمها بأسمائهم. وحملها بعض رسله إلى القيروان، فألقيت في أسواقها سرا، وأثارت هناك دهشة وارتياعا، ووضعت رأس العلاء في سفط،


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٥٤.
(٢) راجع ابن القوطية ص ٣٢؛ وابن الأثير ج ٥ ص ٢١٣؛ وابن خلدون ج ٤ ص ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>