للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكم تمنيت أن ألقي بها أحداً ... يسلي من الهم أو يعدي على النوب

فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا ... كانت مواعيدهم كالآل في الكذب

وفي قوله: " ولم تطل مدة اللبث حتى تبينت بما شاهدته أني فيها مبخوس البضاعة، موكوس الصناعة، مخصوص بالإهانة والإضاعة ". وأكثر من ذلك أن الأفضل أمر باعتقاله، لأسباب لم توضحها لنا الرواية توضيحاً كافياً. وأمضى في هذا الاعتقال بضعة أعوام، وكتب في معتقله عدة من مؤلفاته، منها رسالة في العمل بالاصطرلاب، وكتاب الوجيز في علم الهيئة، وكتاب الأدوية المفردة، وكتاب تقويم الذهن، وهو في المنطق. وفي سنة ٥٠٥ هـ، أفرج عنه، وأمر الأفضل بنفيه من مصر، فسار إلى الإسكندرية ومنها إلى إفريقية، حيث نزل بالمهدية ضيفاً على أميرها أبى الطاهر يحيى بن تميم الصنهاجي، فأكرم وفادته، وعلت لديه منزله، وكتب له عن مصر رسالته الموسومة " بالرسالة المصرية "، وفيها يصف " ما عاينه من أرض مصر، وما عاناه "، ويصف جغرافية مصر، ونيلها، وسكانها، وآثارها، ويحمل على سكان مصر، وينعتهم " باتباع الشهوات، والانهماك في اللذات، والاشتغال بالترهات، والتصديق بالمحالات، وضعف المرائر والعزمات "، ويحمل على علمائها المعاصرين، وينعتهم بأنهم " رعاع وغثاء، وجهلة ودهماء " (١). ولما توفي الأمير يحيى بن تميم، استمرت حظوته ومكانته لدى ولده علي بن يحيى. وكتب له كتاب الحديقة أو " حديقة شعراء الأندلس " على نمط كتاب " يتيمة الدهر " للثعالبي. وكان أمية ابن أبى الصلت، فوق علمه الغزير، أديباً ممتازاً وشاعراً جزلا. وله ديوان شعر أشار إليه ابن خلكان، وأورد لنا طرفاً من نظمه، ومنها تلك الأبيات التي قالها قبيل وفاته، وأوصى بأن تكتب على قبره:

سكنتك يا دار الفناء مصدقاً ... بأني إلى دار البقاء أصير

وأعظم ما في الأمر أني صائر ... إلى عادل في الحكم ليس يجور

فياليت شعري كيف ألقاه عندها ... وزادي قليل والذنوب كثير

فإن أك مجزياً بذنبي فإنني ... بشر عقاب المذنبين جدير

وإن يك عفو عني ورحمة ... فثم نعيم دائم وسرور


(١) راجع الرسالة المصرية، وقد نشرت بعناية الأستاذ عبد السلام هارون، ص ٢٤ و ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>